الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

قوله تعالى : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ . . . } [ النساء :32 ] . سَبَبُ الآيةِ أنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ : لَيْتَنَا اسْتَوَيْنَا مَعَ الرِّجالِ في المِيرَاثِ ، وشَارَكْنَاهُمْ في الغَزْوِ ، ورُوِيَ أنَّ أمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ ذَلِكَ ، أو نحوه ، وقال الرِّجَالُ : لَيْتَ لَنَا فِي الآخِرَةِ حَظّاً زَائِداً عَلَى النِّسَاءِ ، كَمَا لَنَا عَلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا ، فنزلَتِ الآية .

قال ( ع ) : لأنَّ في تَمَنِّيهم هذا تحكُّماً على الشِّريعة ، وتطرُّقاً إِلى الدَّفْع في صَدْر حَكْم اللَّه تعالَى ، فهذا نَهْيٌ عن كُلِّ تَمَنٍّ بخلاف حُكْم شرعيٍّ ، وأما التمنِّي في الأعمال الصَّالحة ، فذلك هو الحَسَن ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( وَدِدتُّ أنَ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أَحْيَا . . . ) الحديث . وفي غير موضعٍ ، ولقوله تعالَى : { وَسْأَلُواْ الله مِن فَضْلِهِ } ]النساء : 32 ] . قال القُشَيْرِيُّ : سمعْتُ الشيخ أبا عَلِيٍّ يقولُ : مِنْ علاَمَاتِ المَعْرفة أَن لاَّ تسأل حوائجَكَ ، قَلَّتْ أَوَ كَثُرَتْ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ تعالَى ، مِثْلُ موسَى اشتاق إِلَى الرُّؤْية ، فقال : { رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] ، واحتاج مرَّةً إِلى رغيفٍ ، فقال : { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }[ القصص : 24 ] انتهى من «التحبير » .

وقوله تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ } الآية ، قالَتْ فرقة : معناه من الأجْر ، والحسناتِ ، فكأنه قِيلَ للنَّاس : لا تَتَمَنَّوْا في أمرٍ مخالفٍ لما اللَّه بِهِ ، لاختيارٍ تَرَوْنَهُ أَنْتُمْ ، فإِن اللَّه تعالَى قَدْ جَعَلَ لكلِّ أحدٍ نصيباً من الأجْر والفَضْلِ بحَسَب اكتسابِهِ فيما شَرَعَ لَهُ ، وهذا قولٌ حَسَن ، وفي تعليقه سبحانه النَّصِيبَ بالاِكتسابِ حَضٌّ علَى العَمَل ، وتنبيهٌ على كَسْب الخَيْر .

وقوله سبحانه : { وَسْأَلُواْ الله مِن فَضْلِهِ }[ النساء :32 ] .

قال ابنُ جُبَيْر وغيره : هذا في فَضْل العباداتِ ، والدِّينِ ، لا في فضل الدنيا ، وقال الجُمْهُور : ذلك على العمومِ ، وهو الذي يقتضيه اللفظ ، فقوله : { وَسْأَلُواْ الله } يقتضي مفْعولاً ثانياً ، تقديره : واسألوا اللَّهَ الجَنَّة أو كثيراً من فضله .