غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

31

ثم إنه سبحانه لما أمرهم بتهذيب أعمال الجوارح وهو أن لا يقدموا على أكل الأموال بالباطل وعلى قتل الأنفس ، حثهم على تهذيب الأخلاق في الباطن . أو نقول : لما نهاهم عن الأكل والقتل ولن يتم ذلك إلاّ بالرضا بالقضاء وتطييب القلب بالمقسوم المقدّر ، فلا جرم قال : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } قالت المعتزلة : التمني قول القائل : " ليته كذا " . وقال أهل السنة : هو عبارة عن إرادة ما يعلم أن يظن أنه لا يكون ولهذا قالوا : إنه تعالى لو أراد من الكافر أن يؤمن مع علمه بأنه لا يؤمن كان متمنياً . ثم مراتب السعادات إما نفسانية نظرية كالذكاء والحدس وحصول المعارف والحقائق ، أو عملية كالأخلاق الفاضلة ، وإما بدنية كالصحة والجمال والعمر ، وإما خارجية كحصول الأولاد النجباء وكثرة العشائر والأصدقاء والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوباً للخلق حسن الذكر مطاع الأمر ، فهذه مجامع السعادات . وبعضها محض عطاء الله تعالى ، وبعضها مما يظن أنها كسبية . وبالحقيقة كلها عطاء منه تعالى فإنه لولا ترجيح الدواعي وإزالة العوائق وتحصيل الموجبات وتوفيق الأسباب فلأي سبب يكون السعي والجد مشتركاً فيه ، والفوز بالبغية والظفر بالمطلوب غير مشترك فيه ؟ وإذا كان كذلك فما الفائدة في الحسد غير الاعتراض على مدبر الأمور وكافل مصالح الجمهور ؟ فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علماً بأن ما قسم له هو خير له ، ولو كان خلافه لكان وبالاً عليه كما قال :{ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض }[ الشورى :27 ] . وفي الكلمات القدسية : " من استسلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر نعمائي كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين . ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليخرج من أرضي وسمائي وليطلب رباً سوائي " . قال المحققون : لا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم أعطني داراً مثل دار فلان ، وزوجة مثل زوجة فلان ، وإن كان هذا غبطة لا حسداً ، بل ينبغي أن يقول : اللهم أعطني ما يكون صلاحاً لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي . وعن الحسن : لا يتمن أحد المال فلعل هلاكه في ذلك المال .

أما سبب النزول فعن مجاهد قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولهم من الميراث ضعف ما لنا فنزلت . وعن قتادة والسدي : لما نزل قوله :{ للذكر مثل حظ الأنثيين }[ النساء :11 ] قال الرجال : نرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث . وقال النساء : نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال . وفي رواية قلن : نحن أحوج لأن ضعفاءهم أقدر على طلب المعاش فنزلت . وقيل : أتت وافدة النساء إلى الرسول وقالت : رب الرجال والنساء واحد ، وأنت الرسول إلينا وإليهم ، وأبونا آدم وأمنا حواء فما السبب في أن الله يذكر الرجال ولا يذكرنا ؟ فنزلت الآية . فقالت : وقد سبقنا الرجال بالجهاد فما لنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن للحامل منكم أجر الصائم القائم ، وإذا ضربها الطلق لم يدر أحد ما لها من الأجر ، فإن أرضعت كان لها بكل مصة أجر إحياء نفس " . { للرجال نصيب مما اكتسبوا } من نعيم الدنيا وثواب الآخرة فينبغي أن يرضوا بما قسم لهم ، وكذا للنساء ، أو لكل فريق جزاء ما اكتسب من الطاعات فلا ينبغي أن يضيعه بسبب الحسد المذموم . وتلخيصه لا تضيع ما لك بتمني ما لغيرك . أو { للرجال نصيب مما اكتسبوا } بسبب قيامهم بالنفقة على النساء { وللنساء نصيب مما اكتسبن } بحفظ فروجهن وطاعة أزواجهن والقيام بمصالح البيت { واسألوا الله من فضله } فعنده من ذخائر الإنعام ما لا ينفده مطالب الأنام . و " من " للتبعيض أي شيئاً من خزائن كرمه وطوله { إنّ الله كان بكل شيء عليماً } فهو العالم بما يكون صلاحاً للسائلين ، فليقتصر السائل على المجمل وليفوّض التفصيل إليه فإن ذلك أقرب إلى الأدب وأوفق للطلب .

/خ40