ثم إنه سبحانه لما أمرهم بتهذيب أعمال الجوارح وهو أن لا يقدموا على أكل الأموال بالباطل وعلى قتل الأنفس ، حثهم على تهذيب الأخلاق في الباطن . أو نقول : لما نهاهم عن الأكل والقتل ولن يتم ذلك إلاّ بالرضا بالقضاء وتطييب القلب بالمقسوم المقدّر ، فلا جرم قال : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } قالت المعتزلة : التمني قول القائل : " ليته كذا " . وقال أهل السنة : هو عبارة عن إرادة ما يعلم أن يظن أنه لا يكون ولهذا قالوا : إنه تعالى لو أراد من الكافر أن يؤمن مع علمه بأنه لا يؤمن كان متمنياً . ثم مراتب السعادات إما نفسانية نظرية كالذكاء والحدس وحصول المعارف والحقائق ، أو عملية كالأخلاق الفاضلة ، وإما بدنية كالصحة والجمال والعمر ، وإما خارجية كحصول الأولاد النجباء وكثرة العشائر والأصدقاء والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوباً للخلق حسن الذكر مطاع الأمر ، فهذه مجامع السعادات . وبعضها محض عطاء الله تعالى ، وبعضها مما يظن أنها كسبية . وبالحقيقة كلها عطاء منه تعالى فإنه لولا ترجيح الدواعي وإزالة العوائق وتحصيل الموجبات وتوفيق الأسباب فلأي سبب يكون السعي والجد مشتركاً فيه ، والفوز بالبغية والظفر بالمطلوب غير مشترك فيه ؟ وإذا كان كذلك فما الفائدة في الحسد غير الاعتراض على مدبر الأمور وكافل مصالح الجمهور ؟ فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علماً بأن ما قسم له هو خير له ، ولو كان خلافه لكان وبالاً عليه كما قال :{ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض }[ الشورى :27 ] . وفي الكلمات القدسية : " من استسلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر نعمائي كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين . ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليخرج من أرضي وسمائي وليطلب رباً سوائي " . قال المحققون : لا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم أعطني داراً مثل دار فلان ، وزوجة مثل زوجة فلان ، وإن كان هذا غبطة لا حسداً ، بل ينبغي أن يقول : اللهم أعطني ما يكون صلاحاً لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي . وعن الحسن : لا يتمن أحد المال فلعل هلاكه في ذلك المال .
أما سبب النزول فعن مجاهد قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولهم من الميراث ضعف ما لنا فنزلت . وعن قتادة والسدي : لما نزل قوله :{ للذكر مثل حظ الأنثيين }[ النساء :11 ] قال الرجال : نرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث . وقال النساء : نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال . وفي رواية قلن : نحن أحوج لأن ضعفاءهم أقدر على طلب المعاش فنزلت . وقيل : أتت وافدة النساء إلى الرسول وقالت : رب الرجال والنساء واحد ، وأنت الرسول إلينا وإليهم ، وأبونا آدم وأمنا حواء فما السبب في أن الله يذكر الرجال ولا يذكرنا ؟ فنزلت الآية . فقالت : وقد سبقنا الرجال بالجهاد فما لنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن للحامل منكم أجر الصائم القائم ، وإذا ضربها الطلق لم يدر أحد ما لها من الأجر ، فإن أرضعت كان لها بكل مصة أجر إحياء نفس " . { للرجال نصيب مما اكتسبوا } من نعيم الدنيا وثواب الآخرة فينبغي أن يرضوا بما قسم لهم ، وكذا للنساء ، أو لكل فريق جزاء ما اكتسب من الطاعات فلا ينبغي أن يضيعه بسبب الحسد المذموم . وتلخيصه لا تضيع ما لك بتمني ما لغيرك . أو { للرجال نصيب مما اكتسبوا } بسبب قيامهم بالنفقة على النساء { وللنساء نصيب مما اكتسبن } بحفظ فروجهن وطاعة أزواجهن والقيام بمصالح البيت { واسألوا الله من فضله } فعنده من ذخائر الإنعام ما لا ينفده مطالب الأنام . و " من " للتبعيض أي شيئاً من خزائن كرمه وطوله { إنّ الله كان بكل شيء عليماً } فهو العالم بما يكون صلاحاً للسائلين ، فليقتصر السائل على المجمل وليفوّض التفصيل إليه فإن ذلك أقرب إلى الأدب وأوفق للطلب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.