السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } من جهة الدنيا والدين ؛ لئلا يؤدّي إلى التحاسد والتباغض ؛ لأنّ ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما يصلح للمقسوم له من بسط في الرزق وقبض { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } ( الشورى ، 27 ) .

فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علماً بأنّ ما قسم له هو المصلحة ولو كان خلافه لكان مفسدة له ولا يحسد أخاه على حظه .

قال مجاهد : قالت أمّ سلمة : يا رسول الله إنّ الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث فلو كنا رجالاً غزونا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا فنزلت هذه الآية ، وقيل : لما جعل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث قالت النساء : نحن أحوج إلى الزيادة من الرجال ، فإنا ضعفاء وهم أقوياء وأقدر في طلب المعاش منا فنزلت .

وقال قتادة والسديّ : لما أنزل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهنّ في الميراث فأنزل الله تعالى { للرجال نصيب } أي : ثواب { مما اكتسبوا } أي : بسبب ما عملوا من الجهاد { وللنساء نصيب ما اكتسبن } أي : من حفظ فروجهنّ وطاعة الله وطاعة أزواجهنّ ، فالرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء ، وذلك أنّ الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي في ذلك الرجال والنساء ، وفضل الرجال على النساء إنما هو في الدنيا { واسألوا الله من فضله } أي : لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله ما احتجتم إليه يعطكم من خزائنه التي لا تنفد ، فنهى الله عن التمني لما فيه من دواعي الحسد والحسد ، أن يتمنى الشخص زوال النعمة عن صاحبها سواء تمناها لنفسه أم لا ، والغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ما لصاحبه وهو جائز ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد أي : لا غبطة إلا في اثنتين ) الحديث { إنّ الله كان بكلّ شيء عليماً } فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان .