الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن أم سلمة أنها قالت : " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تغزو الرجال ولا نغزو ولا نقاتل فنستشهد ، وإنما لنا نصف الميراث . فأنزل الله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } وأنزل فيها ( إن المسلمين والمسلمات ) ( الأحزاب الآية 35 ) " .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشهادة امرأتين برجل ، أفنحن في العمل هكذا ، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة ؟ فأنزل الله { ولا تتمنوا } فإنه عدل مني وإن صنعته " .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة قال : إن النساء سألن الجهاد فقلن وددنا أن الله جعل لنا الغزو ، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال . فأنزل الله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } .

وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن مجاهد وعكرمة في الآية قالا : نزلت في أم سلمة بنت أبي أمية .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي . أن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران . وقالت : النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ولو كتب علينا القتال لقاتلنا . فأنزل الله الآية ، وقال لهم سلوا الله من فضله يرزقكم الأعمال وهو خير لكم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } يقول : لا يتمن الرجل فيقول : ليت لي مال فلان وأهله . فنهى الله سبحانه عن ذلك ، ولكن ليسأل الله من فضله { للرجال نصيب مما اكتسبوا } يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين .

وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : لا تتمن مال فلان ولا مال فلان ، وما يدريك لعل هلاكه في ذلك المال .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي شيئا ، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع . فلما لحق للمرأة نصيبها ، وللصبي نصيبه ، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، قالت النساء لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال . وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسنات في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث . فأنزل الله { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } يقول : المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل .

وأخرج ابن جرير عن أبي حريز قال : لما نزل ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ( النساء الآية 11 ) قالت النساء : كذلك عليهم نصيبان من الذنوب كما لهم نصيبان من الميراث . فأنزل الله { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } يعني الذنوب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { للرجال نصيب مما اكتسبوا } قال : من الإثم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن سيرين ، أنه كان إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال : قد نهاكم الله عن هذا { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } ودلكم على خير منه { واسألوا الله من فضله } .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { واسألوا الله من فضله } قال : ليس بعرض الدنيا .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { واسألوا الله من فضله } قال : العبادة ليس من أمر الدنيا .

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل " .

وأخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج " .

وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة : اللهم أدخله ، ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثا إلا قالت النار : اللهم أجره " .