النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

قوله تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله بع بعضكم على بعض } فيه قولان :

أحدهما-وهو قول الإنسان ليت ما لفلان لي ، ويجوز أن يقول ليت مثله لي . ومن قال بهذا اختلفوا في النهي هل هو تحريم أم أدب ، فقال الفراء هو أدب ، وقال غيره هو تحريم .

والقول الثاني-وهو الأشهر- أنها نزلت في نساء تمنين كالرجال في فضلهم ومالهم . فروى عكرمة أنها نزلت في أم سلمة بنت أبي أمية ابن المغيرة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت : قلت يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " {[628]}

{ للرجال نصيب مما اكتسبوا ، وللنساء نصيب مما اكتسبن } من الثواب على طاعة الله والعقاب على معصيته ، وللنساء نصيب مثل ذلك ، ليعني أن للمرأة بالحسنة عشر أمثالها كالرجل ، وهو قول قتادة .

والثاني-أن معنى ذلك للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم ، وللنساء نصيب منه ، لأن أهل الجاهلية لم يكونوا يورثون النساء ، وهذا قول ابن عباس .

( واسألُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ) فيه قولان :

أحدهما : إن احتجتم إلى مال غيركم فاسألوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله ولا تتمنوا مال غيركم .

والثاني : العبادة التي تكسب الثواب في الآخرة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسألوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج " {[629]} .

ومعنى { إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أنه قسَّم الأرزاق على ما علم وشاء فينبغي أن ترضوا بما قسم وتسألوه من فضله غير متأسفين لغيركم في عطية . والنهي تحريم عند أكثر العلماء ، لأنه ليس لأحد أن يقول : ليت مال فلان لي ، وإنما يقول ليت مثله لي .


[628]:- الترمذي رقم 3025 ومسند أحمد 6/ 322 والحاكم 2/305.
[629]:رواه الترمذي عن عبد الله أي ابن مسعود.