{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ( 32 ) }
{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } التمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي ، فنهى الله سبحانه المؤمنين عن التمني لأن فيه تعلق البال ونسيان الآجال ، قال القرطبي ، وفيه النهي عن أن يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه ، فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته وحكمته البالغة ، وفيه أيضا نوع من الحسد المنهي عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير .
وعبارة القرطبي فيدخل فيه أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الآخر ، وهذا هو الحسد بعينه ، وهو الذي ذمه الله تعالى أيضا ، ويدخل فيه خطبة الرجل على خطبة أخيه وبيعه على بيعه لأنه داعية إلى الحسد والمقت انتهى .
قد اختلف العلماء في الغبطة هل تجوز أم لا ؟ وهي أن يكون له حال مثل حال صاحبه من دون أن يتمنى زوال ذلك الحال عن صاحبه فذهب الجمهور إلى جواز ذلك ، واستدلوا بالحديث الصحيح ( لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) ، وقد بوب عليه البخاري باب الاغتباط في العلم والحكم{[459]} .
وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوبا بما يصير به من جنس الحسد أم لا ، وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصا لهذا العموم ، ومن الناس من منع من الغبطة أيضا كالإمام مالك قال لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين أو الدنيا .
ونحوه قال الحسن : وسبب نزول الآية ما قال قتادة أن النساء قلن لو جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال ، وقال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
{ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } فيه تخصيص بعد التعميم ، ورجوع ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت : يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولا نقاتل فنستشهد ، وإنما لنا نصف الميراث فنزلت ، أخرجه عبد الرزاق وابن المنصور وابن حميد والترمذي والحاكم والبيهقي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم . وقد روي نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة{[460]} .
والمعنى في الآية أن الله تعالى جعل لكل من الفريقين نصيبا على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته ، وعبر على ذلك المجهول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا على طريق الاستعارة التبعية ، شبه اقتضاء حال كل فريق لنصيبه باكتسابه إياه .
قال قتادة : للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب ، وللنساء كذلك وللمرأة الجزاء على الحسنة بعشر أمثالها كما للرجال ، وقال ابن عباس : المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة للذكر مثل حظ الأنثيين ، فنهى الله عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد لأن الله أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم للتفاوت على علم من مصالحهم{[461]} .
{ واسألوا الله من فضله } هذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه كما قاله جماعة من أهل العلم ، وعن مجاهد قال : ليس بعرض الدنيا ، وعن سعيد ابن جبير قال : العباد ليس من أمر الدنيا ، وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل ) {[462]} قال ابن عباس : الفضل الرزق . وقيل الفضل خزائن نعمه التي لا نفاذ لها { إن الله كان بكل شيء عليما } أي بما يكون صلاحا للسائلين فليقتصر السائل على المجمل في الطلب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.