53- إنهم لا يؤمنون به ، ولا ينتظرون إلا المآل الذي بيَّنه الله لمن يكفر به . ويوم يأتي هذا المآل - وهو يوم القيامة - يقول الذين تركوا أوامره وبيناته وغفلوا عن وجوب الإيمان به ، معترفين بذنوبهم : قد جاءت الرسل من عند خالقنا ومربينا ، داعين إلى الحق الذي أرسلوا به ، فكفرنا به . ويسألون هل لهم شفعاء يشفعون لهم ؟ فلا يجدون ، أو هل يردُّون إلى الدنيا ليعملوا صالحاً ؟ فلا يجابون . قد خسروا عمل أنفسهم بغرورهم في الدنيا ، وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من ادعاء إله غير الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبّنَا بِالْحَقّ فَهَل لّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذّبون بآيات الله ويجحدون لقاءه ، إلاّ تأويله ؟ يقول : إلاّ ما يئول إليه أمرهم من ورودهم على عذاب الله ، وصليّهم جحيمه ، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به . وقد بيّنا معنى التأويل فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْويلَهُ : أي ثوابه يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ أي ثوابه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ قال : تأويله : عاقبته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ قال : جزاءه ، يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ قال : جزاؤه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : هَلْ يَنْظُرُون إلاّ تَأْوِيلَهُ أما تأويله : فعواقبه مثل وقعة بدر ، والقيامة ، وما وعد فيه من موعد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ فلا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتمّ تأويله يوم القيامة ، ففي ذلك أنزل : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ حيث أثاب الله تبارك وتعالى أولياءه وأعداءه ثواب أعمالهم ، يَقُولُ يومئذ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ . . . الاَية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ قال : يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ قال : يأتي تحقيقه . وقرأ قول الله تعالى : هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قال : هذا تحقيقها . وقرأ قول الله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللّهُ قال : ما يعلم حقيقته ومتى يأتي إلاّ الله تعالى .
وأما قوله : يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ فإن معناه : يوم يجيء ما يئول إليه أمرهم من عقاب الله ، يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ : أي يقول الذين ضيعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذٍ من العذاب من قبل ذلك في الدنيا : لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ أقسم المساكين حين عاينوا البلاء وحلّ بهم العقاب أنّ رسل الله التي أتتهم بالنذارة وبلغتهم عن الله الرسالة ، قد كانت نصحت لهم وصَدَقتهم عن الله ، وذلك حين لا ينفعهم التصديق ولا ينجيهم من سخط الله وأليم عقابه كثرة القيل والقال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يقول الّذِينَ نَسُوهُ منْ قَبْلُ قَدْ جاءَت رسُلُ رَبّنا بالحَقّ أما الذين نسوه فتركوه ، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم استيقنوا فقالوا : قد جاءت رسل ربنا بالحقّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ قال : أعرضوا عنه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدّ فَنَعْمَلَ غيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم أنهم يقولون عند حلول سخط الله بهم وورودهم أليم عذابه ومعاينتهم تأويل ما كانت رسل الله تعدهم : هل لنا من أصدقاء وأولياء اليوم ، فيشفعوا لنا عند ربنا ، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا ، أو نردّ إلى الدنيا مرّة أخرى ، فنعمل فيها بما يرضيه ويعتبه من أنفسنا ؟ قال : هذا القول المساكين هنالك ، لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم ، فيذكروا ذلك في وقت لا خلة فيه لهم ولا شفاعة ، يقول الله جلّ ثناؤه : قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول : غبنوا أنفسهم حظوظها ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الاَخرة الدائم بالخسيس من عرض الدنيا الزائل ، وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول : وأسلمهم لعذاب الله ، وحاد عنهم أولياؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله ، ويزعمون كذبا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول : شروْها بخسران .
وإنما رفع قوله أوْ نُرَدّ ولم ينصب عطفا على قوله : فَيَشْفَعُوا لَنا لأن المعنى : هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ، أو هل نردّ فنعمل غير الذي كنا نعمل . ولم يرد به العطف على قوله فَيَشْفَعُوا لَنا .
{ هل ينظرون } ينتظرون . { إلا تأويله } إلا ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد . { يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل } تركوه ترك الناسي . { قد جاءت رسل ربنا بالحق } أي قد تبين أنهم جاؤوا بالحق . { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا } اليوم . { أو نردّ } أو هل نرد إلى الدنيا . وقرئ بالنصب عطفا على { فيشفعوا } ، أو لأن { أو } بمعنى إلى أن ، فعلى الأول المسئول أحد الأمرين أو ردهم إلى الدنيا ، وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرد . { فنعمل غير الذي كنا نعمل } جواب الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل . { قد خسروا أنفسهم } بصرف أعمارهم في الكفر . { وضل عنهم ما كانوا يفترون } بطل عنهم فلم ينفعهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.