المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

24- ألم تعلم - أيها الإنسان - كيف ضرب الله مثلا لكلمة الحق الطيبة ، وكلمة الباطل الخبيثة ، فجعل الكلمة الحسنة الفائدة مثل شجرة حسنة المنفعة ، أصلها ضارب بجذورها في الأرض ، وأفنانها مرتفعة إلى جهة السماء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

وبعد أن بين - سبحانه - حال السعداء والأشقياء يوم القيامة ، أتبع ذلك بضرب مثل لهما زيادة فى التوضيح والتقرير فقال - تعالى - :

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً . . . } .

والخطاب فى قوله { أَلَمْ تَرَ . . . } للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب ، والاستفهام للتقرير ، والرؤية مستعملة فى العلم الناشئ عن التأمل والتفكر فى ملكوت السموات والأرض .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ . . . } هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم علمه فيكون للتعجب ، وقد يذكر لمن ليس كذلك ، فيكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهر فى ذلك حتى أجرى مجرى المثل فى ذلك ، بأن شبه من لم ير الشئ بحال من رآه فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه كما يجرى مع من رأى ، قصدا إلى المبالغة فى شهرته وعراقته فى التعجب .

والمثل : يطلق على القول السائر المعروف للماثلة مضربه لمورده .

وقوله { مثلا } انتصب على أنه مفعول به لضرب ، وقوله { كلمة } بدل منه أو عطف بيان .

والمراد بالكلمة الطيبة : كلمة الإِسلام ، وما يترتب عليها من عمل صالح ، وقول طيب .

قال الآلوسى ما ملخصه : " والمراد بالشجرة الطيبة - المشبه بها - النخلة عند الأكثرين وروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة والضحاك وابن زيد . .

وأخرج عبد الرازاق والترمذى وغيرهما عن شيعب بن الحجاب قال : كنا عند أنس ، فأتينا بطيق عليه رطب ، فقال أنس لأبى العالية : كل يا أبا العالية ، فإن هذا من الشجرة التى ذكرها الله - تعالى - فى كتابه { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ . . . }

وأخرج الترمذى - أيضا - والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه عن أنس قال : " أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع من بسر - أى بطبق من تمر لم ينضج بعد فقال : " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة . . قال : هى النخلة " " .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنها شجرة جوز الهند .

وأخرج ابن حرير وابن أبى حاتم أنها شجرة فى الجنة ، وقيل كل شجرة مثمرة كالنخلة ، وكشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك ثم قال :

" وأنت تعلم أنه إذا صح الحديث ولم يتأت حمل ما فيه على التمثيل لا ينبغى العدول عنه " .

وكأن الإِمام الآلوسى بهذا القول يريد أن يرجح أن المراد بالشجرة الطيبة النخلة ، لتصريح الآثار بذلك .

وقد رجح ابن جرير - أيضا - أن المراد بها النخلة فقال ما ملخصه : " واختلفوا فى المراد بالشجرة الطيبة ، فقال بعضهم : هى النخلة . . وقال آخرون : هى شجرة فى الجنة . .

وأولى القولين بالصواب فى ذلك قول من قال هى النخلة ، لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك . . . "

والمعنى : ألم تر - أيها المخاطب - كيف اختار الله - تعالى - مثلا ، وضعه فى موضعه اللائق به ، والمناسب له ، وهذا المثل لكلمتى الإِيمان والكفر ، حيث شبه - سبحانه الكلمة الطيبة وهى كلمة الإِسلام ، بالشجرة الطيبة ، أى النافعة فى جميع أحوالها ، وهى النخلة .

ثم وصف - سبحانه - هذه الشجرة بصفات حسنة فقال : { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } .

أى : ضارب بعروقه فى باطن الأرض فصارت بذلك راسخة الأركان ثابتة البنيان .

{ وَفَرْعُهَا } أى : أعلاها وما امتد منها من أغصان ، مشتق من الاقتراع بمعنى الاعتلاء { فِي السمآء } أى : فى جهة السماء من حيث العلو والارتفاع ، وهذا ما يزيد الشجرة جمالا وحسن منظر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

قوله : { ألم تر } بمعنى ألم تعلم ، و { مثلاً } مفعول بضرب ، و { كلمة } مفعول أول بها ، و { ضرب } هذه تتعدى إلى مفعولين ، لأنها بمنزلة جعل ونحوه إذ معناها : جعل ضربها . وقال المهدوي : { مثلاً } مفعول ، و { كلمة } بدل منه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على أنها تتعدى إلى مفعول واحد ، وإنما أوهم في هذا قلة التحرير في { ضرب } هذه .

والكاف في قوله : { كشجرة } في موضع الحال ، أي مشبهة شجرة .

قال القاضي أبو محمد : وقال ابن عباس وغيره : «الكلمة الطيبة » هي لا إله إلا الله ، مثلها الله ب «الشجرة الطيبة » ، وهي النخلة في قول أكثر المتأولين ، فكأن هذه الكلمة { أصلها ثابت } في قلوب المؤمنين ، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والحسنة وما يتحصل من عفو الله ورحمته - هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل العبد ، ويتنزل بها من قبل الله تعالى .

وقرأ أنس بن مالك «ثابت أصلها »{[7060]} وقالت فرقة : إنما مثل الله ب «الشجرة الطيبة » المؤمن نفسه ، إذ «الكلمة الطيبة » لا تقع إلا منه ، فكأن الكلام كلمة طيبة وقائلها . وكأن المؤمن ثابت في الأرض وأفعاله وأقواله صاعدة ، فهو كشجرة فرعها في السماء ، وما يكون أبداً من المؤمن من الطاعة ، أو عن الكلمة من الفضل والأجر والغفران هو بمثابة الأكل الذي تأتي به كل حين .

وقوله عن الشجرة { وفرعها في السماء } أي في الهواء نحو السماء ، والعرب تقول عن المستطيل نحو الهواء ، وفي الحديث : «خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً »{[7061]} ، وفي كتاب سيبويه : والقيدودة : الطويل في غير سماء{[7062]} .

قال القاضي أبو محمد : كأنه انقاد وامتد .

وقال أنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : «الشجرة الطيبة » في هذه الآية هي النخلة ، وروي ذلك في أحاديث {[7063]}وقال ابن عباس أيضاً : هي شجرة في الجنة .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تكون شجرة غير معينة إلا أنها كل ما اتصف بهذه الصفات{[7064]} فيدخل في ذلك النخلة وغيرها . وقد شبه الرسول عليه السلام المؤمن الذي يقرا القرآن بالأترجة{[7065]} ، فلا يتعذر أيضاً أن يشبه بشجرتها .


[7060]:في هذه القراءة أجريت الصفة على الشجرة لفظا وإن كانت في الحقيقة للسببي، أما في قراءة الجماعة فإن الثبوت أسند إلى السببي لفظا ومعنى.
[7061]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأخرجه الإمامان البخاري و مسلم، عن أبي هريرة، ولفظه كما في "الجامع الصغير": (خلق الله آدم عل صورته، وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر ـ وهم نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه "ورحمة الله"، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم في طوله ستون ذراعا، فلم تزل الخلق تنقص بعده حتى الآن)، وقد رمز له السيوطي بالصحة.
[7062]:اختلفت الأصول في هذه الجملة، ففي بعضها: "في سماء"، وفي بعضها: "في غير سماء"، كما أن كلمة "القيدودة" كتبت بالدال في بعض النسخ، وبالراء في نسخ أخرى.
[7063]:منها ما روي عن أنس رضي الله عنه، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر ـ والقناع: الطبق من عسب النخل يوضع فيه الطعام والفاكهة ـ فقال: {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة} حتى بلغ {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} قال: هي النخلة، {و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} حتى بلغ {ما لها من قرار} قال: هي الحنظلة، أخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وغيرهم، ومنها ما أخرجه البخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني بشجرة مثل الرجل المسلم، لا يتحات ورقها، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، قال عبد الله رضي الله عنه: فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، وثم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما لم يتكلما بشيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة.
[7064]:وصفت هذه الشجرة بصفات أربع: الأولى أنها طيبة، أي: كريمة المنبت، والثانية رسوخ أصلها، وهذا يدل على تمكنها، وعلى أن الرياح لا تقصفها، وهي لهذا طويلة العمر، والثالثة علو فرعها، وذلك يدل على رسوخ عروقها في الأرض، والرابعة أن ثمرها دائم مستمر، وأن عطاءها لا ينقطع، فهي تعطي جناها في كل وقت أراده الله سبحانه.
[7065]:أخرجه البخاري في الأطعمة، وفي فضائل القرآن، وفي التوحيد، وأخرجه مسلم في المسافرين، وأبو داود في الأدب، وكذلك الترمذي، والنسائي في الإيمان، وابن ماجه في المقدمة، والدارمي في فضائل القرآن، والإمام أحمد في مسنده (4 ـ 397، 404، 408)، ولفظه كما في البخاري في كتاب "فضائل القرآن" عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها). والأترج: شجر يعلو، ناعم الأغصان و الورق وا لثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، زكي الرائحة، حامض الماء. (المعجم الوسيط).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة ما حكي عن أحوال أهل الضلالة وأحوال أهل الهداية ابتداء من قوله تعالى : { وبرزوا لله جميعاً إلى قوله تحيتهم فيها سلام } ، فضرب الله مثلاً لكلمة الإيمان وكلمة الشرك . فقوله : { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً } إيقاظ للذهن ليترقب ما يرد بعد هذا الكلام ، وذلك مثل قولهم : ألم تعلم . ولم يكن هذا المثَل مما سبق ضربه قبل نزول الآية بل الآية هي التي جاءت به ، فالكلام تشويق إلى علم هذا المثل . وصوغ التشويق إليه في صيغة الزمن الماضي الدال عليها حرف لَمْ } التي هي لنفي الفعل في الزمن الماضي والدالّ عليها فعل { ضرب } بصيغة الماضي لقصد الزيادة في التشويق لمعرفة هذا المثل وما مثل به .

والاستفهام في { ألم تر } إنكاري ، نُزل المخاطب منزلة من لم يعلم فأنكر عليه عدم العلم ، أو هو مستعمل في التعجيب من عدم العلم بذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على علمه ، أو هو للتقرير ، ومثله في التقرير كثير ، وهو كناية عن التحريض على العلم بذلك .

والخطاب لكل من يصلح للخطاب . والرؤية علمية معلّق فعلها عن العمل بما وليها من الاستفهام ب { كيف } . وإيثار { كيف } هنا للدلالة على أن حالة ضرب هذا المثل ذات كيفية عجيبة من بلاغته وانطباقه .

وتقدم المثَل في قوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } في سورة البقرة ( 17 ) .

وضَرْب المثل : نَظْم تركيبه الدال على تشبيه الحالة . وتقدم عند قوله : { أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة ( 26 ) .

وإسناد { ضرب } إلى اسم الجلالة لأن الله أوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام .

والمثَل لما كان معنى متضمناً عدة أشياء صح الاقتصار في تعليق فعل { ضرب } به على وجه إجمال يفسره قوله : { كلمة طيبة كشجرة } إلى آخره ، فانتصب { كلمة } على البدلية من { مثلاً } بدلَ مفصّل من مجمل ، لأن المثل يتعلق بها لما تدل عليه الإضافة في نظيره في قوله : { ومثل كلمة خبيثة } .

والكلمة الطيبة قيل : هي كلمة الإسلام ، وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والكلمة الخبيثة : كلمة الشرك .

والطيبة : النافعة . استعير الطيب للنفع لحُسن وقعه في النفوس كوقع الروائح الذكية . وتقدم عند قوله تعالى : { وجرين بهم بريح طيبة } في سورة يونس ( 22 ) .

والفَرع : ما امتد من الشيء وعَلا ، مشتق من الافتراع وهو الاعتلاء . وفرع الشجرة غصنها ، وأصل الشجرة : جذرها .

والسماء مستعمل في الارتفاع ، وذلك مما يزيد الشجرة بهجة وحسن منظر .

وفي « جامع الترمذي » عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " قال : هي النخلة ، { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } قال : هي الحَنْظَل .