المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

145- إن المنافقين بسبب نفاقهم يكونون في أعماق جهنم ، فهم في أسفل مكان فيها ، وأحط درجاتها ، ولن تجد لهم نصيراً يدفع عنهم العذاب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

ثم بين - سبحانه - المصير الشنيع الذى سيصير إليه المنافقون يوم القيامة فقال - تعالى - : { إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أى : فى الطبعة السفلى من طبقاتها وسميت دركاتها لكونها متداركه أى : متتابعة بعضها تحت بعض . والدرك لغة فى الدرك وهو كالدرج ، إلا أن الدرج يقال باعتبار الصعود . والدرك يقال باعتبار النزول والحدور . ولذا قيل : درجات الجنة ودركات النار .

قال الآلوسى : والنار لها طبعات سبع : تسمى الأولى كما قيل : جهنم : والثانية : لظى .

والثالثة : الحطمة . والرابعة : السعير . والخامسة : سقر . والسادسة : الجحيم . والسابعة : الهاوية . وقد تسمى النار جميعاً باسم الطبقة الأولى ، وبعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها . .

والمعنى : إن هؤلاء المنافقين الذين مردوا على النفاق . وسرى فى طباعهم مسرى الدم سيكونون يوم القيامة فى الطبقة السفلى من النار ، ولن تجد لهم نصيراً ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه .

وإنما كان للمنافقين هذا العذاب الشديد ، لأنهم أضافوا إلى كفرهم ، الاستهزاء بالإِسلام وأهله ، وجمعوا بسوء طابعهم بين الكفر . والفسق والتضليل ، والخداع ، وإشاعة الفاحشة فى صفوف المؤمنين ، وغير ذلك من رذائلهم المتعددة ، وقبائحهم المتنوعة .

قال بعض العلماء : ولكن من هو المنافق الذى يستحق أشد العقاب ، ويكون فى أعمق النيران يوم القيامة ؟ نقول فى الجواب عن ذلك : إنه المنافق الخالص الذى لم يكن فيه خصلة أو أكثر من خصلة فقط ، ولكن هو الذى كفر بالله وبالرياسة المحمدية ، ولم يكتف بذلك بل أظهر الإِسلام ليفسد بين المسلمين ويتعرف أسرارهم .

ذلك أن النفاق درجات هذا أعلاها ، وهو أشد الكفر . ودونه بعد ذلك مراتب تكون بين المسلمين ولا تخرج المسلم عن إسلامه ، وإن كانت تجعل إيمانه ضعيفا . ومن ذلك ممالأة الحكام ، والسكوت عن كلمة الحق مع النطق بالباطل ملقا وخداعا .

قيل لابن عمر - رضى الله عنهما - : ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه ! ! فقال : كنا نعده من النفاق .

ولقد جاء فى الحديث الشريف ما يفيد أن المنافقين فريقان : فريق خصل للنفاق ، وهذا منكوس القلب والنفس والفكر .

وقسم فيه خصلة من النفاق ، وهذا يتنازعه الخير والشر . فقد قال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه الإِمام أحمد . " القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر . وقلب أغلف مربوط على غلافه . وقلب منكوس ، وقلب مصفح . فأما القلب الأجرد ، فقلب المؤمن سراجه فيه نوره . وأما القلب الأغلف : فقلب الكافر . وأما القلب المنكوس : فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح : فقلب فيه إيمان ونفاق . ومثل الإِيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب . ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم . فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " .

وإننا لهذا نقول : إن النفاق فى داخل الإِسلام مراتب . وأعلاها أولئك الذين يتملقون الحكام ، وينحذرون إلى درجة وضعهم فى مقام النبيين . ومنهم من يذهب به فرط نفاقه ، فيفضل بعض النصوص من غير حجة فى التأويل . ويعبثون بظواهرها القاطعة لهوى الحكام .

ثم بعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح - سبحانه - باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم ، حتى ينجو من عقابه - سبحانه - فقال : { إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ واعتصموا بالله وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فأولئك مَعَ المؤمنين وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم { في الدرك الأسفل } من نار جهنم ، وهي أدراك بعضها فوق بعض{[4347]} سبعة طبقة على طبقة ، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا ، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل طبقة من النار ، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكناً من أذى المسلمين ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «في الدرَك » مفتوحة الراء ، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب «في الدرْك » بسكون الراء ، واختلف عن عاصم فروي عنه الفتح والسكون ، وهما لغتان ، قال أبو علي : كالشمع والشمع ونحوه ، وروي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم قالوا : المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم{[4348]} ، والنصير : بناء مبالغة من النصر .


[4347]:- قال ابن عباس: "الدرك لأهل النار كالدرج لأهل الجنة، إلا أن الدرجات بعضها فوق بعض، والدركات بعضها أسفل من بعض" يعني أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك، ولما تعالى درج- وأعلى الدركات جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، وهي مقر المنافقين.
[4348]:-أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة، وأخرجه الفريابي، وابن أبي شيبة، وهناد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في صفة النار عن ابن مسعود (الدر المنثور 2/ 336).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

عقّب التعريض بالمنافقين من قوله : { لا تتّخذوا الكافرين أولياء } كما تقدّم بالتصريح بأنّ المنافقين أشدّ أهل النار عذاباً . فإنّ الانتقال من النهي عن اتّخاذ الكافرين أولياء إلى ذكر حال المنافقين يؤذن بأنّ الذين اتّخذوا الكافرين أولياء معدودن من المنافقين ، فإنّ لانتقالات جمل الكلام معاني لا يفيدها الكلام لما تدلّ عليه من ترتيب الخواطر في الفكر .

وجملة { أن المنافقين } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، ثانياً إذ هي عود إلى أحوال المنافقين .

وتأكيد الخبر ب ( إنّ ) لإفادة أنّه لا محِيصَ لهم عنه .

والدّرك : اسم جَمع دَرَكة ، ضدّ الدُّرج اسم جمع دَرجة . والدركة المنزلة في الهبوط . فالشيء الذي يقصد أسفله تكون منازل التدليّ إليه دركات ، والشيء الذي يقصد أعلاه تكون منازل الرقيّ إليه درجات ، وقد يطلق الأسمان على المنزلة الواحدة باختلاف الاعتبار وإنّما كان المنافقون في الدرك الأسفل ، أي في أذلّ منازل العذاب ، لأنّ كفرهم أسوأ الكفر لما حفّ به من الرذائل .

وقرأ الجمهور : { في الدرَك } بفتح الراء على أنّه اسم جمع دَرَكة ضدّ الدرجة . وقرأه عاصم . وحمزة ، والكسائي ، وخلف بسكون الراء وهما لغتان وفتح الراء هو الأصل ، وهو أشهر .

والخطاب في { ولن تجد لهم نصيراً } لكلّ من يصحّ منه سماع الخطاب ، وهو تأكيد للوعيد ، وقطع لرجائهم ، لأنّ العرب ألفوا الشفاعات والنجدات في المضائق . فلذلك كثر في القرآن تذييل الوعيد بقطع الطمع في النصير والفداء ونحوهما .