المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

19- وتوسط في مشيك بين السرعة والبطء ، واخفض من صوتك ، لأن أقبح ما يستنكر من الأصوات هو صوت الحمير ، أوله زفير مما يكره ، وآخره شهيق مما يستقبح .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

ثم أمر بالقصد والاعتدال فى كل أموره فقال : { واقصد فِي مَشْيِكَ } أى وكن معتدلا فى مشيك ، بحيث لا تطبئ ولا تسرع . من القصد وهو التوسط فى الأمور .

{ واغضض مِن صَوْتِكَ } واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه ، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس ، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته .

وكان أهل الجاهلية يتفاخرون بجهارة الصوت وارتفاعه ، فنهى المؤمنون عن ذلك ، ومدح - سبحانه - الذين يخفضون أصواتهم فى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } وقوله - تعالى - { إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير } تعليل للأمر بخفض الصوت ، وللنهى عن رفعه بدون موجب .

أى : إن أقبح الأصوت وأبشعها لهو صوت الحمير ، فالجملة الكريمة حض على غض الصوت بأبلغ وجه وآكده ، حيث شبه - سبحانه الرافعين لأصواتهم فى غير حاجة إلى ذلك ، بأصوات الحمير التى هى مثار السخرية مع النفور منها .

وهكذا نجد أن لقمان قد أوصى ابنه بجملة من الوصايا السامية النافعة ، فقد أمره - أولا - بإخلاص العبادة لله - تعالى - ثم غرس فى قلبه الخوف من الله - عز وجل - ، ثم حضه على إقامة الصلاة ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، وعلى الصبر على الأذى ، ثم نهاه عن الغرور والتكبر والافتخار ، وعن رفع الصوت بدون مقتض لذلك . وبتفيذ هذه الوصايا ، يسعد الأفراد ، وترقى المجتمعات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

ولما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله من القصد في المشي وهو أن لا يتخرق في إسراع ولا يواني في إبطاء وتضاؤل على نحو ما قال القائل : [ مجزوء الرمل ]

كلنا نمشي رويد . . . كلنا يطلب صيد

غير عمرو بن عبيد{[9374]} . . . وأن لا يمشي مختالاً متبختراً ونحو هذا مما ليس في قصد ، و «غض الصوت » أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه ، ثم عارض ممثلاً بصوت الحمير على جهة التشبيه ، أي تلك هي التي بعدت عن الغض فهي أنكر الأصوات ، فكذلك كل ما بعد عن الغض من أصوات البشر فهو في طريق تلك وفي الحديث :«إذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً »{[9375]} ، وقال سفيان الثوري : صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير ، وقال عطاء : صياح الحمير دعاء على الظلمة ، و { أنكر } معناه أقبح وأخشن ، و { أنكر } عبارة تجمع المذام اللاحقة للصوت الجهير ، وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت الجهير على خلق الجاهلية ومنه قول الشاعر يمدح آخر : [ المتقارب ]

جهير الكلام جهير العطاس . . . جهير الرواء جهير النعم

ويعدو على الأين عدو الظليم . . . ويعلو الرجال بخلق عمم{[9376]}

فنهى الله تعالى عن هذه الخلق الجاهلية ، وقوله { لصوت الحمير } أراد ب «الصوت » اسم الجنس ، ولذلك جاء مفرداً ، وقرأ ابن أبي عبلة «أنكر الأصوات أصوات الحمير » بالجمع في الثاني دون لام ، والغض رد طمحان الشيء كالنظر وزمام الناقة والصوت وغير ذلك .


[9374]:سبق الاستشهاد بهذه الأبيات في هذا الجزء عند تفسير قوله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} من سورة الفرقان. (ص 66 هامش 1).
[9375]:أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة في (الجامع الصغير)، ولفظه كما ذكره السيوطي: (إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا).
[9376]:الرواء: المنظر الحسن والبهاء. والنعم: المال السائم، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، وجمعه: أنعام وأناعيم، والأين: التعب والإعياء، والظليم: ذكر النعام، وجمعه ظلمان، والخلق العمم: التام الكامل، يمدحه بهذه الصفات التي ذكرها على عادة العرب في الجاهلية.