المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

203- واذكروا الله بالتكبير والتهليل والتحميد في أيام معدودات هي أيام رمى الجمار بمنى وهى : الحادي عشر . والثاني عشر . والثالث عشر . وليس بلازم لأن قوام الخير تقوى الله لا مقدار العدد ، واتقوا الله دائماً واعلموا أنكم إليه تحشرون مسئولون عن أعمالكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

وقوله : { واذكروا الله في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } معطوف على قوله - تعالى - { فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } وما بينهما اعتراض .

والمراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة التي بعد يوم النحر . والتشريق : تقديد اللحم .

قال القرطبي : ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى ، وهي أيام التشريق ، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها ، وهي أيام رمى الجمار " .

فالآية الكريمة تأمر الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يكثروا من ذكر الله في هذه الأيام المباركة ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء " ويزعمون أن الحج قد انتهى يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة .

ولقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام ينبغي أن تعمر بذكر الله وبشكره على نعمه .

روى الإِمام مسلم عن نبيشه الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " .

وروى البخاري عن ابن عمر : أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام ، وخلف الصلوات ، وعلى فراشه وفي فسطاطه . وفي مجلسه ، وفي ممشاه ، في تلك الأيام جميعاً .

ومن الذكر في تلك الأيام التبيكر مع كل حصاة م نحصى الجمار كل يوم من أيام التشريق .

فقد أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر مع كل حصاة .

ويرى جمهور الفقهاء أن هذه الأيام يحرم فيها الصيام ، لأنها أيام كل وشرب وذكر لله .

والمعنى : اذكروا الله ، أي : كبروه في أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ، وعند رمي الجمار وغيرها في تلك الأيام المعدودات التي هي موسم من مواسم العبادة والطاعات ، فإن الإِكثار من ذكر الله يرفع الدرجات ، ويمسح السيئات .

ثم قال- تعالى- : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقى } . تعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل ، يقال : تعجل الأمر واستعجل . ويأتيان متعديين فيقال : تعجل الذهاب واستعجله ويرى الزمخشري أن المطاوعة أوفق لقوله - تعالى - : { وَمَن تَأَخَّر } .

وإيضاح ذلك : أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق ، ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمى عند كل جمرة سبع حصيات ، ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويترك المبيت بمنى في الليلة الثالثة ورمى يومها بعد الزوال - كما يرى الشافعية - وبعده أو قبله - كما يرى الحنفية - فلا إثم عليه في عدم مبيته بمنى في الليلة الثالثة .

أي : فمن تعجل فسافر في اليومين الأولين فلا إثم عليه في التعجيل ، ومن بقي إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه كذلك إذا اتقى كل منهما الله ووقف عند حدوده .

فالتقييد بالتقوى للتنبيه إلى أن العبرة في الأفعال إنما هي بتقوى القلوب وطهارتها وسلامتها .

قال الآلوسي : وقوله { لِمَنِ اتقى } خبر لمبتدأ محذوف ، واللام إما للتعليل أو للاختصاص .

أي : ذلك التخيير المذكور لأجل المتقي لئلا يتضرر بترك ما يقصده من التعجيل والتأخر أو ذلك المذكور من أحكام مطلقاً مختصة بالمتقى لأنه هو الحاج على الحقيقة . والمراد من التقوى على التقديرين تجنب ما يؤثم من فعل أو ترك .

ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - : { واتقوا الله واعلموآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } اتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون ، واعلموا أنكم ستجمعون بعد تفرقكم وتساقون إلى خالقكم يوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم .

وقد ختمت الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج بهذا الختام المكون من عنصرين ، أحدهما : تقوى الله .

والثاني : العلم اليقيني بالحشر ، للإِشعار بأنهما خلاصة التدين ، وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها ، وإذا خلت أية عبادة من هذين العنصرين كانت صورة لا روح فيها .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا بعض أحكام الحج وآدابه ومناسكه بأسلوب يهدي القلوب ، ويسعد النفوس ، ومن شأن من يعمل بهذه الآيات أن يكون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

قال ابن عباس : " الأيام المعدودات " أيام التشريق ، و " الأيام المعلومات " أيام العَشْر . وقال عكرمة : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } يعني : التكبير أيامَ التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر ، الله أكبر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه ، قال : سمعت عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم عَرَفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " {[3687]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا هُشَيم ، أخبرنا خالد ، عن أبي المليح ، عن نُبَيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيامُ أكل وشرب وذكر الله " . رواه{[3688]} مسلم أيضًا{[3689]} وتقدم حديث جبير بن مطعم : " عَرَفَة كلها موقف ، وأيام التشريق كلها ذبح " . وتقدم [ أيضًا ]{[3690]} حديث عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي {[3691]} " وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " .

وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم ، قالا حدثنا هُشَيم ، عن عَمْرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيام التشريق أيام طُعْم وذكر{[3692]} " {[3693]} .

وحدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا رَوْح ، حدثنا صالح ، حدثني ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حُذافة يطوف في منى : " لا تصوموا هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب ، وذكر الله ، عز وجل " {[3694]} .

وحدثنا يعقوب ، حدثنا هُشَيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ، إلا من كان عليه صَوْم من هَدْي " .

زيادة حسنة ولكن مرسلة . وبه قال هُشَيم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشْرَ بن سحيم ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله " .

وقال هُشَيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، قال : " هي أيام أكل وشرب وذكر الله " .

وقال محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحاكم الزُّرَقي ، عن أمه قالت : لكأني{[3695]} أنظر إلى عليّ على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، حتى وقف{[3696]} على شعب الأنصار وهو يقول : " يا أيها الناس ، إنها ليست بأيام صيام ، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر " {[3697]} .

وقال مِقْسَم عن ابن عباس : الأيام المعدودات : أيام التشريق ، أربعة أيام : يوم النحر ، وثلاثة [ أيام ]{[3698]} بعده ، ورُوي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي موسى ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد ابن جُبَير ، وأبي مالك ، وإبراهيم النخَعي ، [ ويحيى بن أبي كثير ] {[3699]} والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والزهري ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، ومقاتل بن حيّان ، وعطاء الخراساني ، ومالك بن أنس ، وغيرهم - مثل ذلك .

وقال علي بن أبي طالب{[3700]} : هي ثلاثة ، يوم النحر ويومان بعده ، اذبح في أيِّهنّ شئت ، وأفضلها أولها .

والقول الأول هو المشهور وعليه دل ظاهر الآية الكريمة ، حيث قال : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } فدل على ثلاثة بعد النحر .

ويتعلق بقوله : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } ذكْرُ الله على الأضاحي ، وقد تقدم ، وأن الراجح في ذلك مذهب الشافعي ، رحمه الله ، وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق . ويتعلق به أيضًا الذكر المؤقت خلف الصلوات ، والمطلق في سائر الأحوال . وفي وقته أقوال{[3701]} للعلماء ، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، وهو آخر النَّفْر الآخِر . وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني ، ولكن لا يصح مرفوعا{[3702]} والله أعلم . وقد ثبت أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان يكبر في قبته ، فيكبر أهل السوق بتكبيره ، حتى ترتج منى تكبيرًا .

ويتعلق بذلك أيضًا التكبيرُ وذكر الله عند رمي الجمرات كلّ يوم من أيام التشريق . وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره : " إنما جعل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار ، لإقامة ذكر الله عز وجل " {[3703]} .

ولما ذكر الله تعالى النَّفْر الأول والثاني ، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف ، قال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ أي : تجتمعون يوم القيامة ]{[3704]} ، كما قال : { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ المؤمنون : 79 ] .


[3687]:المسند (4/153).
[3688]:في جـ، ط: "ورواه".
[3689]:المسند (5/75) وصحيح مسلم برقم (1141).
[3690]:زيادة من و.
[3691]:في أ: "معمر الديلمي".
[3692]:في جـ، ط، أ، و: "وذكر الله".
[3693]:تفسير الطبري (4/211).
[3694]:تفسير الطبري (4/211).
[3695]:في أ: "وكأني".
[3696]:في أ: "حتى وقفت".
[3697]:رواه الطبري في تفسيره (4/213) من طريق ابن علية عن ابن إسحاق به.
[3698]:زيادة من أ، و.
[3699]:زيادة من أ، و.
[3700]:في أ: "وقال علي بن أبي طلحة رضي الله عنه".
[3701]:في جـ: "وفيه أقوال".
[3702]:سنن الدارقطني (2/49، 50) من طرق عن جابر رضي الله عنه.
[3703]:سنن أبي داود برقم (1888).
[3704]:زيادة من جـ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 203 )

وأمر الله تعالى عباده بذكره في الأيام المعدودات ، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق( {[1907]} ) ، وليس يوم النحر من المعدودات ، ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر وهو ثاني يوم النحر( {[1908]} ) ، فإن يوم النحر من المعلومات ، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من ينفر من شاء متعجلاً يوم القر ، لأنه قد أخذ يومين من معدودات ، وحكى مكي والمهدوي عن ابن عباس أنه قال : «المعدودات هي أيام العشر » ، وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة ، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر ، وفي ذلك بعد ، والأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده لإجماعهم على أنه لا ينحر أحد في اليوم الثالث ، والذكر في المعلومات إنما هو على ما رزق الله من بهيمة الأنعام .

وقال ابن زيد : «المعلومات عشر ذي الحجة وأيام التشريق » ، وفي هذا القول بعد ، وجعل الله الأيام المعدودات أيام ذكر الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «هي أيام أكل وشرب وذكر الله »( {[1909]} ) .

ومن جملة الذكر التكبير في إثر الصلوات ، واختلف في طرفي مدة التكبير( {[1910]} ) : فقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس : يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق .

وقال ابن مسعود وأبو حنيفة : يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر .

وقال يحيى بن سعيد : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر يوم التشريق .

وقال مالك : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وبه قال الشافعي .

وقال ابن شهاب : «يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق » .

وقال سعيد بن جبير : «يكبر من الظهر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق » .

وقال الحسن بن أبي الحسن : «يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول » .

وقال أبو وائل : «يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر » .

ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ، وفي المذهب رواية أنه يقال بعد التكبيرات الثلاث : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد .

وقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ، قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد : المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه ، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج عليه ، فمعنى الآية كل ذلك مباح ، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماماً وتأكيداً إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس( {[1911]} ) ، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك ، ومن العلماء من رأى أن التعجل إنما أبيح لمن بعد قطره لا للمكي والقريب ، إلا أن يكون له عذر ، قاله مالك وغيره ، ومنهم من رأى أن الناس كلهم مباح لهم ذلك ، قاله عطاء وغيره .

وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم : معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له ، واحتجوا بقوله عليه السلام :«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه » ، فقوله تعالى : { فلا إثم عليه } نفي عام وتبرئة مطلقة ، وقال مجاهد أيضاً : معنى الآية من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل ، وأسند في هذا القول أثر .

وقال أبو العالية : المعنى في الآية لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره ، والحاج مغفور له البتة .

وقال أبو صالح وغيره : معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد وما يجب عليه تجنبه في الحج ، وقال أيضاً : لمن اتقى في حجه فأتى به تاماً حتى كان مبروراً ، واللام في قوله { لمن اتقى } متعلقة إما بالغفران على بعض التأويلات ، أو بارتفاع الإثم في الحج على بعضها( {[1912]} ) ، وقيل : بالذكر الذي دل عليه قوله { واذكروا } ، أي الذكر لمن اتقى ، ويسقط رمي الجمرة الثالثة عمن تعجل( {[1913]} ) .

وقال ابن أبي زمنين : «يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل » .

قال ابن المواز : «يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة ، كل جمرة بسبع حصيات ، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر .

قال ابن المواز : «ويسقط رمي اليوم الثالث » .

وقرأ سالم بن عبد الله { فلا إثم عليه } بوصل الألف ، ثم أمر تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه( {[1914]} ) .


[1907]:- وهي أيام منى، وأيام الرمي، أما الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى: [ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات] فهي أيام النحر، والأيام المعدودات المذكورة هنا هي أيام التشريق، ويقال لليوم الأول من أيام التشريق: يوم القر لأن الناس يقرون في منى للنحر.
[1908]:- يقال: نَفَر الحاج من مِنًى إلى مكة، وللحاج نَفْران فالأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق، والنَّفْر الثاني هو اليوم الثالث منها.
[1909]:- رواه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه.
[1910]:- أي في بدايته ونهايته – وقد ذكر من ذلك أقوالا ثمانية، وأيام عرفة والنحر والتشريق كلها صالحة للذكر، ومن جملة الذكر التكبير، ومن خواص التكبير ما رواه ابن السُّنِّي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الحريق فكبّروا، فإن التكبير يطفئه، انتهى من حلية النووي.
[1911]:- أي وكان منهم من يذم المتأخر، وقوله تعالى: [فلا إثم عليه لمن اتّقى] مشاكل لما قبله، فلا يقال: إنما ينفى الإثم عن المقصر لا عن من أثم في العمل، وأيضا فإن المبرور المأجور يجوز في المعنى نفي الإثم عنه، والله أعلم.
[1912]:- هذا هو الظاهر لفظا ومعنى، أما لفظا فلقربه منه. وأما معنى فلأن من لم يتّق لا يرتفع الإثم عنه، والظاهر أيضا أن مفعول (اتّقى) المحذوف هو الله كما جاء مُصرَّحاً به في مصحف عبد الله.
[1913]:- لو قال: ويسقط عن المتعجل رمي الجمار في يوم الثالث لكان ظاهرا والله أعلم.
[1914]:- أي ليكون ذلك حافزا على التقوى، والحشر من وقت خروج الناس من قبورهم إلى انتهاء موقفهم بين يدي الله عز وجل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

معطوف على { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } [ البقرة : 200 ] وما بينهما اعتراض ، وإعادة فعل { اذكروا } ليبنى عليه تعليق المجرور أي قوله : { في أيام معدودات } لبعد متعلقه وهو { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } ، لأنه أريد تقييد الذكر بصفته ثم تقييدُه بزمانه ومكانه . فالذكر الثاني هو نفس الذكر الأول وعطفه عليه منظور فيه إلى المغايرة بما علق به من زمانه .

والأيام المعدودات أيام منى ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، يقيم الناس فيها بمنى وتسمى أيام التشريق ، لأن الناس يقددون فيها اللحم ، والتقديد تشريق ، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس . وكانوا يعلمون أن إقامتهم بمنى بعد يوم النحر بعد طواف الإفاضة ثلاثة أيام فيعلمون أنها المراد هنا بالأيام المعدودات ، ولذلك قال جمهور الفقهاء الأيام المعدودات أيام منى وهي بعد اليوم العاشر وهو قول ابن عمر ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي والضحاك وجابر بن زيد ومالك ، وهي غير المراد من الأيام المعلومات التي في قوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } في [ سورة الحج : 28 ] . فالأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة ، وهي اليوم العاشر ويومان بعده . والمعدودات أيام منى بعد يوم النحر ، فاليوم العاشر من المعلومات لا من المعدودات ، واليومان بعده من المعلومات والمعدودات ، واليوم الرابع من المعدودات فقط ، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في إيام معلومات على رزقهم من بهيمة الأنعام } [ الحج : 28 ] لأن اليوم الرابع لا نحر فيه ولا ذَبح إجماعاً ، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن لا فرق بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات وهي يوم النحر ويومان بعده فليس اليوم الرابع عندهما معلوماً ولا معدوداً ، وعن الشافعي الأيام المعلومات من أول ذي الحجة حتى يوم النحر وما بعد ذلك معدودات ، وهو رواية عن أبي حنيفة .

ودلت الآية على طلب ذكر الله تعالى في أيام رمي الجمار وهو الذكر عند الرمي وعند نحر الهدايا .

وإنما أمروا بالذكر في هذه الأيام ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء ، قال العرجي :

ما نَلتقِي إلاّ ثلاثَ مِنًى *** حَتَّى يُفَرِّقَ بينَنا النَّفْر

وقال عمر بن أبي ربيعة :

بَدَا لِيَ منها معصم حينَ جَمَّرَتْ *** وكَفٌّ خَصيبٌ زُيَّنَتْ بِبَنَان

فوالله ما أَدري وإِنْ كُنْتُ دَارياً *** بسَبْعٍ رَمَيْتُ الجَمْرَ أمْ بِثَمَان

لأنهم كانوا يرون أن الحج قد انتهى بانتهاء العاشر ، بعد أن أمسكوا عن ملاذهم مدة طويلة فكانوا يعودون إليها ، فأمرهم الله تعالى بذكر الله فيها ، وذكرُ الله فيها هو ذكره عند رمي الجمار .

والأيام المعدودات الثلاثة ترمى الجمار الثلاثة في كل يوم منها بعد الزوال يبتدأ بالجمرة التي تلي مسجد منى بسبع حصيات ، ثم ترمى الجمرتان الأخريان كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ، وآخرها جمرة العقبة ، وفي أحكام الرمي ووقته وعكس الابتداء فيه بجمرة مسجد منى والمبيت بغير منى خلافات بين الفقهاء .

والآية تدل على أن الإقامة في منى في الأيام المعدودات واجبة فليس للحاج أن يبيت في تلك الليالي إلاّ في منى ، ومن لم يبت في منى فقد أخل بواجب فعليه هدي ، ولا يرخص في المبيت في غير منى إلاّ لأهل الأعمال التي تقتضي المغيب عن منى فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس المبيت بمكة لأجل أنه على سقاية زمزم ، ورخص لرعاء الإبل من أجل حاجتهم إلى رعي الإبل في المراعي البعيدة عن منى وذلك كله بعد أن يرموا جمرة العقبة يوم النحر ويرجعوا من الغد فيرمون ، ورخص للرعاء الرمي بليل ، ورخص الله في هذه الآية لمن تعجل إلى وطنه أن يترك الإقامة بمنى اليومين الأخيرين من الأيام المعدودات .

وقوله : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } تفريع لفظي للإذن بالرخصة في ترك حضور بعض أيام منى لمن أعجله الرجوع إلى وطنه ، وجيء بالفاء لتعقيب ذكر الرخصة بعد ذكر العزيمة رحمة منه تعالى بعباده .

وفِعْلاَ { تَعَجَّل } و { تأَخَّر } : مشعران بتعجل وتأخر في الإقامة بالمكان الذي يشعر به اسم الأيام المعدودات ، فالمراد ، من التعجل عدم اللبث وهو النفر عن منى ومن التأخر اللبث في منى إلى يوم نفر جميع الحجيج ، فيجوز أن تكون { صيغة } تعجل و { تأخر } معناهما مطاوعة عجله وأخره فإن التفعل يأتي للمطاوعة كأنه عجل نفسه فتعجل وأخرها فتأخر فيكون الفعلان قاصرين لا حاجة إلى تقدير مفعول لهما ولكن المتعجل عنه والمتأخر إليه مفهومان من اسم الأيام المعدودات ، أي تعجل النفر وتأخر النفر ، ويجوز أن تكون صيغة التفعل في الفعلين لتكلف الفعل كأنه اضطر إلى العجلة أو إلى التأخر فيكون المفعول محذوفاً لظهوره أي فمن تعجل النفر ومن تأخره .

فقوله : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ظاهر المعنى في نفي الإثم عنه ، وإنما قوله : { ومن تأخر فلا إثم عليه } يشكل بأن نفي الإثم يقتضي توهم حصوله فيصير التأخر إلى اليوم الرابع رخصة مع أنه هو العزيمة ، ودُفع هذا التوهم بما روي أن أهل الجاهلية كانوا على فريقين ؛ فريق منهم يبيحون التعجيل ، وفريق يبيحون التأخير إلى الرابع فوردت الآية للتوسعة في الأمرين ، أو تجعل معنى نفي الإثم فيهما كناية عن التخيير بين الأمرين ، والتأخير أفضل ، ولا مانع في الكلام من التخيير بين أمرين وإن كان أحدهما أفضل كما خير المسافرُ بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل .

وعندي أن وجه ذكر { ومن تأخر فلا إثم عليه } أن الله لما أمر بالذكر في أيام منى وترك ما كانوا عليه في الجاهلية من الاشتغال فيها بالفضول كما تقدم ، وقال بعد ذلك { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } خيف أن يتوهم أن التعجيل بالنفر أولى تباعداً من مواقعة ما لا يحسن من الكلام ، فدفع ذلك بقوله : { ومن تأخر فلا إثم عليه } فإذا نفي هذا التوهم علم السامع أنه قد ثبتت للمتأخر فضيلة الإقامة بتلك المنازل المباركة والمشاركة فيها بذكر الله تعالى ، ولذلك عقبه بقوله : { لمن اتقى } أي لمن اتقى الله في تأخره فلم يرفث ولم يفسق في أيام منى ، وإلاّ فالتأخر فيها لمن لم يتق إثم فهو متعلق بما تدل عليه ( لا ) من معنى النفي ، أو هو خبر مبتدأ ، أي ذلك وبدون هذا لا يظهر وجه لزيادة قوله { لمن اتقى } وإن تكلفوا في تفسيره بما لا تميل النفس إلى تقريره .

وقوله : { واتقوا الله } وصاية بالتقوى وقعت في آخر بيان مهامّ أحكام الحج ، فهي معطوفة على { واذكروا الله } أو معترضة بين { ومن تأخر } وبين { من الناس من يعجبك } [ البقرة : 204 ] الخ .

وقد استُحضر حال المخاطبين بأحكام الحج في حال حجهم ؛ لأن فاتحة هاته الآيات كانت بقوله : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث } [ البقرة : 197 ] الخ ولما ختمت بقوله : { واذكروا الله في أيام معدودات } وهي آخر أيام الحج وأشير في ذلك إلى التفرق والرجوع إلى الأوطان بقوله { فمن تعجل في يومين } الخ ، عُقب ذلك بقوله تعالى : { واتقوا الله } وصية جامعة للراجعين من الحج أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم ولا يجعلوا تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية فإذا انقضى الحج رجعوا يتقاتلون ويغيرون ويفسدون ، وكما يفعله كثير من عصاة المسلمين عند انقضاء رمضان .

وقوله : { واعلموا أنكم إليه تحشرون } تحريض على التقوى وتحذير من خلافها ؛ لأن من علم ذلك سعى لما يجلب رضا المرجوع إليه وتجنب سخطه . فالأمر في { اعلموا } للتذكير ، لأن ذلك معلوم عندهم وقد تقدم آنفاً عند قوله : { واعلموا أن الله شديد العقاب } [ البقرة : 196 ] .

والحشر : الجمع بعد التفرق فلذلك ناسب قوله : { تحشرون } حالتي تفرق الحجيج بعد انقضاء الحج واجتماع أفراد كل فريق منهم إلى بلده بعد ذلك .

واختير لفظ ( تحشرون ) هنا دون تصيرون أو ترجعون ، لأن تحشرون أجمع لأنه يدل على المصير وعلى الرجوع مع الدلالة على أنهم يصيرون مجتمعين كلهم كما كانوا مجتمعين حين استحضار حالهم في هذا الخطاب وهو اجتماع الحج ، ولأن الناس بعد الحج يحشرون إلى مواطنهم فذكرهم بالحشر العظيم ، فلفظ تحشرون أنسب بالمقام من وجوه كثير ، والعرب كانوا يتفرقون رابع أيام منى فيرجعون إلى مكة لزيارة البيت لطواف الوداع ثم ينصرفون فيرجع كل فريق إلى موطنه ، قال امرؤ القيس يذكر التفرق يوم رابع النحر وهو يوم المحصب في منى :

فلله عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ *** أَشَتَّ وأَنْأَى مِنْ فِراقِ المُحَصَّب

غَداةَ غَدَوْا فَسَالِكٌ بَطْنَ نَخْلَة *** وَآخَرُ مِنهم جَازِعٌ نَجْدَ كَبْكَب

وقال كثير :

ولما قضينا من منى كل حاجـة *** ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على دهم المهاري رحالُنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننــا *** وسالت بأعناق المطي الأباطح

والمعنى ليكن ذكركم الله ودعاؤكم في أيام إقامتكم في منى ، وهي الأيام المعدودات الثلاثة الموالية ليوم الأضحى ، وأقيموا في منى تلك الأيام فمن دعته حاجاته إلى التعجيل بالرجوع إلى وطنه فلا إثم عليه أن يترك يومين من أيام منى وهما الثاني عشر من ذي الحجة والثالث عشر منه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{واذكروا الله في أيام معدودات}: إذا رميتم الجمار، يعني أيام التشريق، والأيام المعلومات يعني يوم النحر ويومين من أيام التشريق بعد النحر، فكان عمر، رضى الله عنه، يكبر في قبته بمنى، فيرفع صوته، فيسمع أهل مسجد منى فيكبرون كلهم حتى يرتج منى تكبيرا.

{فمن تعجل في يومين}: بعد يوم النحر بيومين، يقول: من تعجل فنفر قبل غروب الشمس، {فلا إثم عليه}: فلا ذنب عليه، يقول: ذنوبه مغفورة، فمن لم ينفر حتى تغرب الشمس فليقم إلى الغد يوم الثالث، فيرمي الجمار، ثم ينفر مع الناس،

{ومن تأخر}: إلى يوم الثالث حتى ينفر الناس، {فلا إثم عليه}: لا ذنب عليه، يقول: ذنوبه مغفورة،

ثم قال: {لمن اتقى}: قتل الصيد. {واتقوا الله}: ولا تستحلوا قتل الصيد في الإحرام، {واعلموا}: يخوفهم، {أنكم إليه تحشرون}: في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات، وهي أيام رمي الجمار، أمر عباده يومئذٍ بالتكبير أدبار الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار يرمي بها جمرة من الجمار... عن ابن عباس في قوله:"وَاذْكُروا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ" قال: أيام التشريق: ثلاثة أيام بعد يوم النحر.

وإنما قلنا: إن الأيام المعدودات هي: أيام مِنى وأيام رمي الجمار لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول فيها: إنها أيام ذكر الله عز وجل...

حدثني يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم، قال: حدثنا هشيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّامُ التّشْريق أيّامُ طُعْمٍ وَذِكْرٍ».

وحدثنا خلاد، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا صالح، قال: ثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى: «لا تَصُومُوا هَذِهِ الأيّامَ فإنّهَا أيّامُ أكْلٍ وَشْرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ»...

فإن قال قائل: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ قال في أيام منى: «إنّها أيّام أكْلٍ وَشُربٍ وَذِكْرِ اللّهِ» لم يخبر أمته أنها الأيام المعدودات التي ذكرها الله في كتابه، فما تنكر أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم عنى بقوله: وذكر الله: الأيام المعلومات؟ قيل: غير جائز أن يكون عنى ذلك، لأن الله لم يكن يوجب في الأيام المعلومات من ذكره فيها ما أوجب في الأيام المعدودات، وإنما وصف المعلومات جل ذكره بأنها أيام يذكر فيها اسم الله على بهائم الأنعام، فقال: "لِيَشْهَدوا مَنافِعَ لهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أيّامٍ مَعْلُوماتٍ على ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعامِ "فلم يوجب في الأيام المعلومات من ذكره كالذي أوجبه في الأيام المعدودات من ذكره، بل أخبر أنها أيام ذكره على بهائم الأنعام. فكان معلوما إذ قال صلى الله عليه وسلم لأيام التشريق: «إنّها أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ» فأخرج قوله: «وذكْر اللّه»، مطلقا بغير شرط ولا إضافة، إلى أنه الذكر على بهائم الأنعام، أنه عنى بذكر الذكر الذي ذكره الله في كتابه، فأوجبه على عباده مطلقا بغير شرط ولا إضافة إلى معنى في الأيام المعدودات. وأنه لو كان أراد بذلك صلى الله عليه وسلم وصف الأيام المعلومات به، لوصل قوله: «وذكر»، إلى أنه ذكر الله على ما رزقهم من بهائم الأنعام، كالذي وصف الله به ذلك ولكنه أطلق ذلك باسم الذكر من غير وصله بشيء، كالذي أطلقه تبارك وتعالى باسم الذكر، فقال: "وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ" فكان ذلك من أوضح الدليل على أنه عنى بذلك ما ذكره الله في كتابه وأوجبه في الأيام المعدودات.

"فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقَى".

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق للنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره... عن قتادة قوله: "فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ": فمن تعجل في يومين: أي من أيام التشريق فلا إثم عليه، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر فلا نفر له حتى تزول الشمس من الغد. "ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عَلَيْه": من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه.

وقال آخرون: بل معناه: فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه، ومن تأخر كذلك. عن ابن عباس: "فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ" قال: قد غفر له، إنهم يتأولونها على غير تأويلها، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج؟.

وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه فيما بينه وبين السنة التي بعدها.

وقال آخرون: بل معناه: فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره... وكان ابن عباس يقول: وددت أنَي من هؤلاء ممن يصيبه اسم التقوى.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فلا إثم عليه، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر إن هو اتقى قتلَ الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه. وقال آخرون: بل معناه: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر فلا إثم عليه، أي مغفور له، ومن تأخر فنفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه. وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك: فمن تعجل في يومين من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه، لحط الله ذنوبه، إن كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه وفعل فيه ما أمره الله بفعله وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده. ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول، فلا إثم عليه لتكفير الله له ما سلف من آثامه وأجرامه، وإن كان اتّقى الله في حجة بأدائه بحدوده.

وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَجّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ» وأنه قال صلى الله عليه وسلم: «تابِعُوا بَيْنَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ، فإنّهُما يَنْفِيانِ الذّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَديدِ وَالذّهَبِ وَالفِضّةِ»... وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عنه أن من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره الله، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقى" الله في حجه. فكان في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعز: فَلا إثْمَ عَلَيْهِ أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة له أجرامه. وأنه لا معنى لقول من تأول قوله: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ": فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث، لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله، أو فيما كان عليه عمله، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه. فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله، وفرضه عمله، لأنه محال أن يكون المؤدّي فرضا عليه حَرِجا بأدائه، فيجوز أن يقال: قد وضعنا عنك فيه الحرج.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ": فلا حرج عليه، أو فلا جناح عليه من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، فوضع عنه الحرج في المقام، أو أن يكون فرضه المقام إلى اليوم الثالث، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها، وذلك هو التعجيل الذي قيل: "فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ": فلا معنى لقوله على تأويل من تأوّل ذلك: "فَلا إِثمَ عَلَيْهِ": فلا جناح عليه، "وَمَنْ تَأَخّرَ فَلا إِثمَ عَلَيْهِ"، لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه تارك قبول رخصة النفر، فلا وجه لأن يقال: لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك، لما وصفنا قبل، أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث فلا معنى أن يقال: لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله للذي قدمنا من العلة وكذلك لا معنى لقول من قال: معناه: فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ولا حرج عليه في نفره ذلك، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث، لأن ذلك لو كان تأويلاً مسلما لقائله لكان في قوله: وَمَنْ تأخّرَ فلاَ إثْمَ عَلَيْهِ ما يبطل دعواه، لأنه لا خلاف بين الأمة في أن الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله: وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر؟ هذا مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت فقد حلّ له كل شيء، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك، التي:

حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة قالت: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحلّ المحرم؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا رَمَيْتُمْ وَذَبحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ حَلّ لَكُمْ كُلّ شَيْءٍ إلاّ النّساءَ».

وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى: لا إثم عليه إلى عام قابل فلا وجه لتحديد ذلك بوقت، وإسقاطه الإثم عن الحاج سنة مستقبلة، دون آثامه السالفة، لأن الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال، والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرّح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل، وصريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على فساد قول من قال: معنى قوله: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ" فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل.

فإن قال لنا قائل: ما الجالب اللام في قوله: "لِمَنِ اتّقَى" وما معناها؟ قيل: الجالب لها معنى قوله: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ" لأن في قوله: "فَلا إثْمَ عَلَيْهِ": معنى حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه، فكان في ذلك معنى: جعلنا تكفير الذنوب لمن اتّقَى الله في حجه، فترك ذكر جعلنا تكفير الذنوب اكتفاء بدلالة قوله: فَلا إثْمَ عَلَيْهِ.

وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر، فقال: لمن اتّقَى أي هذا لمن اتقى. وأنكر بعضهم ذلك من قوله، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به، لأنها لا تقوم بنفسها، ولكنها فيما زعم من صلة «قول» متروك، فكان معنى الكلام عنده «قلنا»: ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، وقام قوله: ومن تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ مقام القول.

وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الإثم في المتعجل، فجعل في المتأخر، وهو الذي أدى ولم يقصر، مثل ما جعل على المقصر، كما يقال في الكلام: إن تصدّقت سرّا فحسن، وإن أظهرت فحسن. وهما مختلفان، لأن المتصدّق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن، وإن كان الإسرار أحسن وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالإثم وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة. وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ما يدلّ على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول. وقال أيضا: فيه وجه آخر، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم أحد الفريقين الاَخر، كأنه أراد بقوله: فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لا يقل المتعجل للمتأخر: أنت آثم، ولا المتأخر للمتعجل أنت آثم بمعنى: فلا يؤثمنّ أحدهما الاَخر. وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف، وكفى بذلك شاهدا على خطئه.

"اتّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أنّكُم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ": واتقوا الله أيها المؤمنون فيما فرض عليكم من فرائضه، فخافوه في تضييعها والتفريط فيها، وفيما نهاكم عنه في حجكم ومناسككم أن ترتكبوه أو تأتوه وفيما كلفكم في إحرامكم لحجكم أن تقصروا في أدائه والقيام به، واعلموا أنكم إليه تحشرون، فمجازيكم هو بأعمالكم، المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، وموف كل نفس منكم ما عملت وأنتم لا تظلمون.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَيَّامُ الرَّمْيِ مَعْدُودَاتٌ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ مَعْلُومَاتٌ؛ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ، وَالْيَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَعْلُومَانِ مَعْدُودَانِ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مَعْدُودٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ وَاَلَّذِي أَصَارَهُمْ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أَنَّهَا أَيَّامُ مِنًى، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الرَّمْيِ فِيهَا...

وَاعْلَمُوا أَنَّ أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةٌ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ. أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَة؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ»، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، وَذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ أَفِيضُوا يَعْنِي: إلَى مِنًى عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوَّلُهُ لِلْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَآخِرُهُ لِمِنًى، فَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِمِنًى لَمْ يُعَدَّ فِيهَا، وَصَارَتْ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةً سِوَى يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدً الْإِطْلَاقِ...

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ قَالَ حِينَئِذٍ عُلَمَاؤُنَا: الْيَوْمُ الْأَوَّلُ غَيْرُ مَعْدُودٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِمِنى فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، وَلَا مِنْ الَّتِي عَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ»، وَكَانَ مَعْلُومًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ، وَكَانَ النَّحْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّابِعِ نَحْرٌ؛ فَكَانَ الرَّابِعُ غَيْرَ مُرَادٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَعْلُومَاتٍ}؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْحَرُ فِيهِ... وَكَانَ مِمَّا يُرْمَى فِيهِ؛ فَصَارَ مَعْدُودًا فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ الرَّمْيِ، غَيْرَ مَعْلُومٍ لِعَدَمِ النَّحْرِ فِيهِ...

وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مَعْدُودٌ بِالرَّمْيِ مَعْلُومٌ بِالذَّبْحِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا لَيْسَ مُرَادًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}...

الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ». وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مَعْدُودًا مِنْهَا لَاقْتَضَى مُطْلَقُ هَذَا الْقَوْلِ لِمَنْ نَفَرَ فِي يَوْمِ ثَانِي النَّحْرِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْدُودٍ فِيهَا لَا قُرْآنًا وَلَا سُنَّةً، وَهَذَا مُنْتَهَى بَدِيعٌ...

[و] لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُوَ الْحَاجُّ، خُوطِبَ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْحَاجِّ فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هُوَ أَيْضًا خِطَابٌ لِلْحَاجِّ بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّمْيِ؟ فَنَقُولُ: أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَالْمَشَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّكْبِيرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ فَيُكَبِّرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ، كَانَ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ... يُكَبِّرُ تَكْبِيرًا ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه لما ذكر ما يتعلق بالمشعر الحرام لم يذكر الرمي لوجهين:

أحدهما: أن ذلك كان أمرا مشهورا فيما بينهم وما كانوا منكرين لذلك، إلا أنه تعالى ذكر ما فيه من ذكر الله لأنهم كانوا لا يفعلونه...

والثاني: لعله إنما لم يذكر الرمي لأن في الأمر بذكر الله في هذه الأيام دليلا عليه، إذ كان من سننه التكبير على كل حصاة منها ثم قال: {واذكروا الله في أيام معدودات}...

[وقد] أجمعت الأمة على أن التكبيرات المقيدة بإدبار الصلوات مختصة بعيد الأضحى...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال الإمام أحمد... عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يوم عَرَفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" و... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حُذافة يطوف في منى: "لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب، وذكر الله، عز وجل "وفي وقته أقوال للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النَّفْر الآخِر...

وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: "إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل"... ولما ذكر الله تعالى النَّفْر الأول والثاني، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف، قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [أي: تجتمعون يوم القيامة]، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان قد أمرهم بذكره عند قضاء الأركان، وكان ربما فهم اقتصارهم عليه في الوقت الذي كانوا يذكرون فيه آباءهم، قال معمّماً وليكون الحث عليه آكد لتكرير الندب إليه بصيغة الأمر فيكون أضخم لشأنه: {واذكروا} بالرمي، أمر بالرمي وعبر عنه بالذكر ليشمل كل ذكر لسانياً كان أو غيره...

ولما فهم من هذا أنه لا بد من الإقامة بها -في مدة الثلاثة الأيام نفى ذلك ميسراً لأنّ الحج يجمع القوي والضعيف والخادم والمخدوم، والضعيف في هذا الدين أمير على القوي فقال مشيراً إلى أن الإنسان في ذلك الجمع الأعظم له نازعان نازع ينزع إلى الإقامة في تلك الأماكن المرضية والجماعات المغفورة ونازع ينزعه إلى أهله وأوطانه وعشائره وإخوانه: {فمن تعجل} منكم النفر للرجوع إلى أوطانه {في يومين} منها {فلآ إثم عليه} والعجلة فعل الشيء قبل وقته الأليق به...

ولما كان مدار الأعمال البدنيات على النيات قيد ذلك بقوله: {لمن} أي هذا النفي للإثم عن القسمين لمن {اتقى} من أهلهما فأدار أفعاله على ما يرضي الله...

ولما كان الحج حشراً في الدنيا والانصراف منه يشبه انصراف أهل الموقف بعد الحشر عن الدنيا فريقاً إلى الجنّة وفريقاً إلى السعير ذكرهم بذلك بقوله: {واعلموا أنَّكم} جميعاً {إليه} لا إلى غيره {تحشرون *} بعد البعث، والحشر الجمع بكره، وهو واقع على أول خروجهم من الأجداث إلى انتهاء الموقف، فاعلموا لما يكون سبباً في انصرافكم منه إلى دار كرامته لا إلى دار إهانته...

قال الحرالي: وكلية الحج ومناسكه مطابق في الاعتبار لأمر يوم الحشر ومواقفه من خروج الحاج من وطنه متزوداً كخروج الميت من الدنيا متزوداً بزاد العمل، ووصوله إلى الميقات وإهلاله متجرداً كانبعاثه من القبر متعرياً، وتلبيته في حجه كتلبيته في حشره {مهطعين إلى الداع} [القمر: 80] كذلك اعتباره موطناً إلى غاية الإفاضة والحلول بحرم الله في الآخرة التي هي الجنة، والشرب من ماء زمزم التي هي آية نزل الله لأهل الجنة على وجوه من الاعتبارات يطالعها أهل الفهم واليقين، فلأجل ذلك كان أتم ختم لأحكام الحج ذكر الحشر...

وهنا تم ما أراد سبحانه وتعالى من بيان قواعد الإسلام الخمس: الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج، المشار إلى الثلاث الأول منها بقوله تعالى أول السورة:

{يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] وذكر الحج لمزيد الاعتناء به لاحقاً للصوم بعد ذكره سابقاً عليه، ولعل ذلك هو السبب في تقديم الصوم على الحج تارة وتأخيره أخرى في روايات حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيح "بني الإسلام على خمس"...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

وإنما أمر سبحانه بالذكر في هذه الأيام ولم يأمر برمي الجمار لأنه من الأعمال التي كانوا يعرفونها ويعملون بها وقد أقرهم عليها وذكر المهم الذي هو روح الدين وهو ذكر الله تعالى عند كل عمل من تلك الأعمال، وتلك سنة القرآن يذكر إقامة الصلاة والخشوع فيها وذكر الله تعالى ودعاءه وتأثير ذلك في إصلاح النفوس، ولا يذكر صفة القيام والركوع والسجود، وكون الركوع يفعل مرة في كل ركعة، والسجود يفعل مرتين، وإنما يتكرر ذلك لبيان النبي صلى الله عليه وسلم له بالعمل...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعندي أن وجه ذكر {ومن تأخر فلا إثم عليه} أن الله لما أمر بالذكر في أيام منى وترك ما كانوا عليه في الجاهلية من الاشتغال فيها بالفضول كما تقدم، وقال بعد ذلك {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} خيف أن يتوهم أن التعجيل بالنفر أولى تباعداً من مواقعة ما لا يحسن من الكلام، فدفع ذلك بقوله: {ومن تأخر فلا إثم عليه} فإذا نفي هذا التوهم علم السامع أنه قد ثبتت للمتأخر فضيلة الإقامة بتلك المنازل المباركة والمشاركة فيها بذكر الله تعالى، ولذلك عقبه بقوله: {لمن اتقى} أي لمن اتقى الله في تأخره فلم يرفث ولم يفسق في أيام منى، وإلاّ فالتأخر فيها لمن لم يتق إثم فهو متعلق بما تدل عليه (لا) من معنى النفي، أو هو خبر مبتدأ، أي ذلك وبدون هذا لا يظهر وجه لزيادة قوله {لمن اتقى} وإن تكلفوا في تفسيره بما لا تميل النفس إلى تقريره.

وقوله: {واتقوا الله} وصاية بالتقوى وقعت في آخر بيان مهامّ أحكام الحج، فهي معطوفة على {واذكروا الله} أو معترضة بين {ومن تأخر} وبين {من الناس من يعجبك} [البقرة: 204] الخ. وقد استُحضر حال المخاطبين بأحكام الحج في حال حجهم؛ لأن فاتحة هاته الآيات كانت بقوله: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث}

[البقرة: 197] الخ ولما ختمت بقوله: {واذكروا الله في أيام معدودات} وهي آخر أيام الحج وأشير في ذلك إلى التفرق والرجوع إلى الأوطان بقوله {فمن تعجل في يومين} الخ، عُقب ذلك بقوله تعالى: {واتقوا الله} وصية جامعة للراجعين من الحج أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم ولا يجعلوا تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية فإذا انقضى الحج رجعوا يتقاتلون ويغيرون ويفسدون، وكما يفعله كثير من عصاة المسلمين عند انقضاء رمضان.

وقوله: {واعلموا أنكم إليه تحشرون} تحريض على التقوى وتحذير من خلافها؛ لأن من علم ذلك سعى لما يجلب رضا المرجوع إليه وتجنب سخطه. فالأمر في {اعلموا} للتذكير، لأن ذلك معلوم عندهم وقد تقدم آنفاً عند قوله: {واعلموا أن الله شديد العقاب} [البقرة: 196].

والحشر: الجمع بعد التفرق فلذلك ناسب قوله: {تحشرون} حالتي تفرق الحجيج بعد انقضاء الحج واجتماع أفراد كل فريق منهم إلى بلده بعد ذلك.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ويذيل الحق الآية بالقول الكريم: {واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون}. وقد جاء سبحانه وتعالى بكلمة (تحشرون) لتناسب زحمة الحج؛ لأنه كما حشركم هذا الحشر وأنتم لكم اختيار، هو سبحانه القادر أن يحشركم وليس لكم اختيار. فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشري الكبير في الحج فاعرف أن الذي كلّفك بأن تذهب باختيارك لتشارك في هذا الاجتماع الحاشد هو القادر على أن يأتي بك وقد سُلب منك الاختيار...