المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

80- وقل : يا رب أدخلني إدخالا مرضياً كريماً في كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان ، وأخرجني منه إخراجاً مرضياً كريماً ، واجعل من فضلك قوة تنصرني بها على أعدائي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكثر من اللجوء إليه عن طريق الدعاء ، بعد أن أمره بذلك عن طريق المداومة على الصلاة ، فقال - تعالى - : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } .

والمدخل والمخرج - يضم الميم فيهما - مصدران بمعنى الإِدخال والإِخراج ، فهما كالمجرى والمرسى وإضافتهما إلى الصدق من إضافة الموصوف لصفته .

قال الآلوسى : واختلف فى تعيين المراد من ذلك ، فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم ، أن المراد : بالإِدخال : دخول المدينة ، وبالإِخراج : الخروج من مكة ، ويدل عليه ما أخرجه أحمد ، والطبرانى ، والترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه ، وجماعة ، عن ابن عباس قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله - تعالى - عليه هذه الآية . وبدأ بالإِدخال لأنه الأهم . . .

ثم قال : والأظهر أن المراد إدخاله - عليه الصلاة والسلام - إدخالاً مرضيًا فى كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر ، وإخراجه - من كل ما يخرج منه خروجًا مرضيًا - كذلك - ، فتكون الآية عامة فى جميع الموارد والمصادر . . . .

ويبدو لنا أن المعنى الذى أشار إليه الآلوسى - رحمه الله - بأنه الأظهر ، هو الذى تسكن إليه النفس ، ويدخل فيه غيره دخولاً أوليا ، ويكون المعنى :

وقل - أيها الرسول الكريم - متضرعًا إلى ربك : يا رب أدخلنى إدخالاً مرضيًا صادقًا فى كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان ، وأخرجنى كذلك إخراجًا طيبًا صادقًا من كل أمر أو مكان .

والمراد بالسلطان فى قوله - تعالى - : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } الحجة البينة الواضحة التى تقنع العقول ، والقوة الغالبة التى ترهب المبطلين .

أى : واجعل لى - يا إلهى - من عندك حجة تنصرنى بها على من خالفنى ، وقوة تعيننى بها على إقامة دينك ، وإزالة الشرك والكفر .

وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال : قوله : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أى : حجة تنصرنى على من خالفنى ، أو ملكًا وعزًا قويًا ناصرًا للإِسلام على الكفر ، مظهرًا له عليه ، فأجيبت دعوته بقوله :

{ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } { فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض } ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له .

" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل " عتاب بن أسيد " على أهل مكة وقال : انطلق فقد استعملتك على أهل الله ، فكان شديدًا على المريب . لينًا على المؤمن ، وقال : لا والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة فى جماعة إلا ضربت عنقه ، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق . فقال أهل مكة : يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله " عتاب بن أسيد " أعرابيًا جافيًا .

فقال صلى الله عليه وسلم : " إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة ، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالاً شديدًا ، حتى فتح له فدخلها ، فأعز الله به الإِسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم ، فذلك السلطان النصير " " .

وقال ابن كثير - بعد أن ساق بعض الأقوال فى معنى الآية الكريمة - قوله : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } قال الحسن البصرى فى تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس والروم وليجعلنه له .

وقال قتادة فيها : إن نبى الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان . فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله . ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإِقامة دين الله ، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم . . .

ثم قال ابن كثير : واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ، ولهذا يقول - تعالى - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ . . . } وفى الحديث : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " أى : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع .

وفى قوله - تعالى - : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ } تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله - تعالى - واستمداد العون منه - سبحانه - مباشرة ، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

قال الإمام أحمد : حدثنا جرير ، عن قابوس بن{[17798]} أبي ظَبْيَان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }{[17799]} .

وقال الحسن البصري في تفسير هذه الآية : إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة ، فأمره أن يخرج إلى{[17800]} المدينة ، فهو الذي قال الله عز وجل : : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }

وقال قتادة : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني : المدينة { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني : مكة .

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهذا القول هو أشهر الأقوال .

وقال : العوفي عن ابن عباس : { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني : الموت { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني : الحياة بعد الموت . وقيل غير ذلك من الأقوال . والأول أصح ، وهو اختيار ابن جرير .

وقوله : { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } قال الحسن البصري في تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس ، وعز{[17801]} فارس ، وليجعلنه له ، وملك الروم ، وعز الروم ، وليجعلنه له .

وقال قتادة فيها إن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، علم ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله ، ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ؛ فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم .

قال مجاهد : { سُلْطَانًا نَصِيرًا } حجة بينة .

واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ؛ ولهذا قال [ سبحانه و ]{[17802]} تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } [ الحديد : 25 ] وفي الحديث : " إن الله لَيَزَع بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن " أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن ، وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع .


[17798]:في ف: "عن".
[17799]:المسند (1/223).
[17800]:في ت: "على".
[17801]:في ت: "وغير".
[17802]:زيادة من ف، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة ، فهي على أتم عموم ، معناه { ربِّ } أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري{[7678]} ، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص ، ثم اختلفوا في تعيينه ، فقال ابن عباس والحسن وقتادة : أراد { أدخلني } المدينة { وأخرجني } من مكة ، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع ، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم ، اللهم إن مكان الدخول والقرار هو الأهم ، وقال أبو صالح ومجاهد : { أدخلني } في أمر تبليغ الشرع { وأخرجني } منه بالأداء التام ، وقال ابن عباس : الإدخال بالموت في القبر والإخراج البعث ، وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله ، أصوب ، وقرأ الجمهور «مُدخل » «ومُخرج » بضم الميم ، فهو جرى على { أدخلني وأخرجني } وقرأ أبو حيوة وقتادة وحميد ، «مَدخل » «ومَخرج » بفتح الميم ، فليس بجار على { أدخلني } ولكن التقدير «أدخلني فأدخل مدخل » ، لأنه إنما يجري على دخل ، و «الصدق » هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح ، كما تقول رجل صدق أي جامع للمحاسن ، وقوله { واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } قال مجاهد وغيره : حجة ، يريد تنصرني ببيانها على الكفار ، وقال الحسن وقتادة يريد سعة ورياسة وسيفاً ينصر دين الله ، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر

الدين ، فروي أن الله وعده بذلك ثم أنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته .


[7678]:أي: في بداية الأمور ونهايتها، أو في إقبالي عليها وانصرافي عنها، والمراد: في جميع الأمور من أولها إلى آخرها.