المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

77- ولما جاءت الملائكة - رُسلنا - إلى لوط في صورة شُبانٍ حِسَان ، تألم واستاء ، وأحس بضعفه عن حمايتهم ، وضيقه بهم ، لخوفه عليهم من فساد قومه ، وقال : هذا يوم شديد المكاره والآلام .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما درا بين لوط وبين الملائكة وبينه وبين قومه من حار وجدال فقال - تعالى - :

{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً . . . }

- تلك هى قصة لوط مع الرسل الذين جاءوا لإِهلاك قومه ومع قومه المجرمين ، كما حكتها سورة هود .

- وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى وبأساليب متنوعة ، ومنها سورة الأعراف ، والحجر ، والشعراء ، والنمل ، والعنكبوت ، والصافات ، والذاريات ، والقمر . .

قال الإِمام ابن كثير : ولوط ابن هاران بن أخى إبراهيم ، وكان قد آمن مع عمه إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل بدلة سدوم وما حولها يدعوهم إلى وحدانية الله - تعالى - ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التى اخترعوها دون أن يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإِناث ، وهذا شئ لم يكن أحد من بنى آدم يعهده ولا يألفه ولا يخطر بباله ، حتى صنع ذلك أهل سدوم - " وهم قرية بوادى الأردن عليهم لعائن الله "

- وقد بدأ - سبحانه - القصة هنا بتصوير ما اعترى لوطا - عليه السلام - من ضيق وغم عندما جاءته الرسل فقال : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سياء بِهِمْ . . . }

- أى : وحين جاء الملائكة إلى لوط - عليه السلام - بعد مفارقتهم لإبراهيم ، ساءه وأحزنه مجيئهم ، لأنه كان لا يعرفهم ، ويعرف أن قومه قوم سوء ، فخشى أن يعتدى قومه عليهم ، بعادتهم الشنيعة ، وهو عاجز عن الدفاع عنهم .

قال ابن كثير ما ملخصه : " يخبر الله - تعالى - عن قدوم رسله من الملائكة إلى لوط - عليه السلام - بعد مفارقتهم لإِبراهيم . . فأتوا لوطاً - عليه السلام - وهو على ما قيل فى أرض له . وقيل فى منزله ، ووردوا عليه وهم فى أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان حسان الوجوه ، ابتلاء من الله ، وله الحكمة والحجة البالغة ، فساء شأنهم . .

- وقوله : { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } تصوير بديع لنفاد حيلته ، واغتمام نفسه وعجزه عن وجود حيلة للخروج من المكروه الذى حل بهم .

قال القرطبى : والذرع مصدر ذرع . وأصله : أن يذرع البعير بيديه فى سيره ذرعاً على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه . فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع . وقيل هو من ذرعه القئ أى غلبه .

أى : ضاق عن حبسه المكروه فى نفسه .

وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم ، وما يعلمه من فسوق قومه . .

- و { ذرعا } تمييز محول عن الفاعل . أى : ضاق بأمرهم ذرعه .

{ وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ } : أى وقال لوط - عليه السلام - فى ضجر وألم : هذا اليوم الذى جاءنى فيه هؤلاء الضيوف ، يوم " عصيت " أى : شديد هوله وكربه .

وأصل العصب : الشد والضغط ، فكأن هذا اليوم لشدة وقعه على نفسه قد عصب به الشر والبلاء ، أى : شد به .

قال صاحب تفسير التحرير والتنوير : ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها فى الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا علم أنه لا مخلص له منه ضاق به ذرعاً ، ثم يصدر تعبيراً عن المعانى يريحبه نفسه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

يخبر تعالى عن قُدوم رسله من الملائكة{[14765]} بعد ما أعلموا{[14766]} إبراهيم بهلاكهم ، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة . فانطلقوا من عنده ، فأتوا لوطا{[14767]} عليه السلام ، وهو - على ما{[14768]} قيل - في أرض له [ يعمرها ]{[14769]} وقيل : [ بل كان ]{[14770]} في منزله ، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان{[14771]} حسان الوجوه ، ابتلاء من الله [ واختبارا ]{[14772]} وله الحكمة والحجة البالغة ، [ فنزلوا عليه ]{[14773]} فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم ، وخشي إن لم يُضِفْهم{[14774]} أن يضيفهم أحد من قومه ، فينالهم بسوء ، { وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } .

قال ابن عباس [ ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق ]{[14775]} وغير واحد [ من الأئمة ]{[14776]} شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [ قومه ]{[14777]} عنهم ، ويشق عليه ذلك .

وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [ يعمل فيها ]{[14778]} فتضيّفوه{[14779]} فاستحيا منهم ، فانطلق أمامهم وقال{[14780]} لهم في أثناء الطريق ، كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه : إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء . ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم ، حتى كرره أربع مرات قال قتادة : وقد كانوا أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك .

77


[14765]:- في ت ، أ : "من الملائكة الذين فارقوا إبراهيم الخليل عليه السلام بعد".
[14766]:- في ت ، أ : "أعلموه".
[14767]:- في ت : "فأتوا على لوط" ، وفي أ : "فأتوا لوط".
[14768]:- في ت ، أ : "وهو فيما".
[14769]:- زيادة من ت ، أ.
[14770]:- زيادة من ت ، أ.
[14771]:- في ت ، أ : "شباب".
[14772]:- زيادة من ت ، أ.
[14773]:- زيادة من ت ، أ.
[14774]:- في ت ، أ : "يضيفهم".
[14775]:- زيادة من ت ، أ.
[14776]:- زيادة من ت ، أ.
[14777]:- زيادة من ت ، أ.
[14778]:- زيادة من ت ، أ.
[14779]:- في ت ، أ : "فيضيفوه".
[14780]:- في ت ، أ : "فقال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيَءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هََذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولما جاءت ملائكتنا لوطا ، ساءه مجيئهم . وهو «فعل » من السّوء ، وضاق بهم بمجيئهم ذَرْعا يقول : وضاقت نفسه غمّا بمجيئهم ، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم ، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة ، وخاف عليهم ، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعا ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه ، ولذلك قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا يقول : ساء ظنّا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن حذيفة أنه قال : لما جاءت الرسل لوطا أتَوْه وهو في أرض له يعمل فيها ، وقد قيل لهم والله أعلم : لا تهلكوهم حتى يشهد لوط قال : فأتوه فقالوا : إنا متضيفوك الليلة فانطلق بهم ، فلما مضى ساعة التفت فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أناسا أخبث منهم قال : فمضى معهم ، ثم قال الثانية مثل ما قال ، فانطلق بهم ، فلما بصرت بهم عجوز السّوء امرأته ، انطلقتْ فأنذرتهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال حذيفة ، فذكر نحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : أتت الملائكة لوطا وهو في مزرعة له ، وقال الله للملائكة : إن شهد لوط عليهم أربع شهادات فقد أَذِنت لكم في هلكتهم . فقالوا : يا لوط إنا نريد أن نَضِيفك الليلة ، فقال : وما بلغكم من أمرهم ؟ قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله إنها لشرّ قرية في الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرّات . فشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فدخلوا معه منزله .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتَوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سَدُوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت له ابنتان ، اسم الكبرى ريثا ، والصغرى زغرتا ، فقالوا لها : يا جارية ، هل من منزل ؟ قالت : نعم ، فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرقت عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجه قوم أحسن منهم ، لا يأخذْهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه نَهَوه أن يُضِيف رجلاً ، فقالوا : خلّ عنّا فلنُضِف الرجال فجاء بهم ، فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، قالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قَطّ فجاءه قومه يُهْرَعون إليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرجت الرسل فيما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفِكة ، فلما جاءت الرسل لوطا سيء بهم وَضَاقَ بِهِمْ ذَرَعا وذلك من تخوّف قومه عليهم أن يفضحوه في ضيفه ، فقال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ .

وأما قوله : وَقال هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ فإنه يقول : وقال لوط : هذا اليوم يوم شديد شره ، عظيم بَلاؤه ، يقال منه : عَصَب يومُنا هذا يَعْصِب عَصْبا ، ومنه قول عديّ بن زيد :

وكنتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لم أُعَرّدْ *** وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ

وقول الراجز :

يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الأبْطالا *** عَصْبَ القَوِيّ السّلَمَ الطّوَالا

وقول الاَخر :

وإنّكَ إلاّ تُرْضِ بَكْرَ بنَ وَائِلٍ *** يكُنْ لَكَ يَوْمٌ بالعِرَاقِ عَصِيبُ

وقال كعب بن جُعيل :

ويُلَبّونَ بالحَضِيصِ فِئامٌ *** عارِفاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عصيب : شديد .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يقول شديد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي يوم بلاء وشدة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَوْمٌ عَصِيبٌ شديد .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ : أي يوم شديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

«الرسل » هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السلام ، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط - وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال - وصلوه ، فقيل : وجدوا لوطاً في حرث له ، وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم - وهي أكبر حواضر قوم لوط - فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ؛ وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم ، فقالوا له : نريد أن تضيفنا الليلة ، فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ { سيء بهم } أي أصابه سوء . و { سيء } فعل بني للمفعول ، و «الذرع » : مصدر مأخوذ من الذراع ، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به : ضاق بهذا الأمر ذراع فلان ، وذرع فلان ، أي حيلته بذراعه ، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا : فلان رحب الذراع ، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر :

يا سيد ما أنت من سيد*** موطأ الأكناف رحب الذراع{[6440]}

وقوله : { هذا يوم عصيب } أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها ، و { عصيب } بناء اسم فاعل معناه : يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة{[6441]} إذا أراد خبطها ونفض ورقها ، ومنه قول الحجاج في خطبته : ولأعصبنكم عصب السلمة ، فهو من العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب ، ومنه قول الشاعر ، وهو عدي بن زيد : [ الوافر ]

وكنت لزاز خصمك لم أعرد*** وقد سلكوك في يوم عصيب{[6442]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

فإنك إلا ترض بكر بن وائل*** يكنْ لك يوم بالعراق عصيب{[6443]}

ف «عصيب » - بالجملة - في موضع شديد وصعب الوطأة ، واشتقاقه كما ذكرنا .


[6440]:- الأكناف: جمع كنف وهو الجانب والناحية، وكنفا الرجل: جانباه وناحيتاه عن يمينه وشماله، وهما حضناه، والموطأ: السهل اللين الدمث الأخلاق الكريم، يقال: فلان وطيء الخلق، وفيه وطاءة الخلق ووضاءة الخلق، ويقال للمضياف: موطأ الأكناف إذا لم ينب جانبه عن النّزّل. وقد وضح ابن عطية معنى "رحب الذارع".
[6441]:- السّلمة: شجرة من العضاة ذات شوك، وورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم، ومن الصعب خرط ورقها لكثرة شوكها، فتعصب أغصانها بأن تُجمع ويُشدّ بعضها إلى بعض بحبل شدا شديدا، ثم يهصرها الخابط إليه ويخبطها بعصاه فيتناثر ورقها للماشية ولمن أراد جمعه، قال الشاعر يشبه الجهد الذي يصيب الأبطال في المعارك بعصب الرجل القوي السلم الطوال: يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا.
[6442]:- عدي بن زيد شاعر جاهلي، اتصل بكسرى وسفر بينه وبين ملك الروم، وهو ربيب النعمة والحضارة لكنه بدوي اللفظ، وهو في بيته هذا يخاطب النعمان في قصيدة اعتذار، ويقول له فيه: لقد بقيت إلى جانبك أمنع عنك حتى في الأوقات العصبية. ولزاز: أي كنت ملازما لخصمك لا أدعه يخالف أو يعاند، وأصل اللّزاز: ما يترس به الباب. ولم أعرّد: لم أحجم ولم أتراجع، والتعريد: الفرار أو سرعة الذهاب في الهزيمة. وسلكوك: أدخلوك يقال: سلكت الشيء في الشيء فانسلك، أي أدخلته فيه فدخل، والعصيب: الشديد، وهو من عصب على وزن ضرب، قال الراغب: يصح أن يكون بمعنى فاعل، وأن يكون بمعنى معفول، أي: يوم مجموع الأطراف، كقولهم: يوم ككفة حابل وحلقة خاتم.
[6443]:- بكر بن وائل قبيلة كانت تسكن العراق أو قريبا منه، وهو مثل الشاهد السابق عليه في أن اليوم العصيب هو الشديد، والمعنى: إذا لم تفعل ما ترضاه قبيلة بكر بن وائل فستلقى منهم بالعراق يوما شديد الشرّ. هذا ومثل الشاهدين السابقين قول كعب بن جعيل: ويلبّون بالحضيض فئام عارفات منه بيوم عصيب.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولما جاءت رسلنا}... {لوطا سيء بهم} يعني كرههم لصنيع قومه بالرجال مخافة أن يفضحوهم، {وضاق بهم ذرعا وقال} جبريل {هذا يوم عصيب} يعني فظيع فاش شره عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطا، ساءه مجيئهم. وهو «فعل» من السّوء، "وضاق بهم "بمجيئهم "ذَرْعا" يقول: وضاقت نفسه غمّا بمجيئهم، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة، وخاف عليهم، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعا، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: "هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ"...

وقال لوط: هذا اليوم يوم شديد شره، عظيم بَلاؤه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) قوله: (سيء بهم) قيل: أي ساء مجيئهم ومكانهم وكرههم لصنيع قومه بالغرباء مخافة أن يفضحوهم (وضاق بهم ذرعا) أي لم يدر كيف يصنع بهم؟ وكيف يحتال ليدفع عن ضيفه سوء قومه؟ والذرع هو المقدرة والقوة؛ أي ضاقت مقدرته وقوته.

(وقال هذا يوم عصيب) قيل فضيع شديد لأنه يوم يهتك الأستار، ويفضح الرجال...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" وضاق بهم ذرعا"... أي بأضيافه، وأنه لما رأى لهم من جمال الصورة، وقد دعوه إلى الضيافة، وقومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة، فضاق بهم ذرعا، لهذه العلة...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي أنه حزن بسبب خوفه عليهم أن يَجْريَ عليهم من قومه ما لا يجوز في دين الله؛ فذلك الحزنُ كان لحقِّ الله لا لنصيبٍ له أو حظَّ لنفسه، ولذلك حُمِدَ عليه لأنَّ مقاساةَ الحزنِ لحقِّ الله محمودةٌ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«الرسل» هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السلام،... و «الذرع»: مصدر مأخوذ من الذراع، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به: ضاق بهذا الأمر ذراع فلان، وذرع فلان، أي حيلته بذراعه، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا: فلان رحب الذراع، إذا وصفوه باتساع القدرة.

و {عصيب} بناء اسم فاعل معناه: يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة إذا أراد خبطها ونفض ورقها...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وضاق بهم ذرعا} قال الأزهري: الذرع يوضع موضع الطاقة والأصل فيه البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوته، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه، فجعل ضيق الذرع عبارة عن قدر الوسع والطاقة. فيقال: مالي به ذرع ولا ذراع أي مالي به طاقة، والدليل على صحة ما قلناه أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع فيقولون ضقت بالأمر ذراعا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما انقضى أمر إنبائهم ببشارة الأولياء وهلاك الأعداء، وعلم من ذلك أنهم لا ينزلون إلاّ للأمور الهائلة والأحوال المعجبة، أخذ يقص أمرهم مع لوط عليه السلام، فقال عاطفاً على ما تقديره: فعلوا مع إبراهيم انفصالهم عن إبراهيم عليه السلام ما ذكر، ثم فارقوه نحو لوط، ولم يذكر الحرف المصدري لأن سياقه ومقصود السورة لا يقتضي ذلك كما نشير إليه في العنكبوت: {ولما جآءت رسلنا} على ما قارنهم من عظمتنا {لوطاً} بعد انفصالهم عن إبراهيم عليه السلام... استضافوه فلم يجد بداً من قبولهم على ما أوصى الله بالضيف مطابقاً لعوائد أهل المكارم، فقبلهم وأزمع المقاتلة عنهم لما رأى من حسن أشكالهم ورونق جمالهم مع ما يعلم من قبح أفعال قومه وخبث سرائرهم، ولما جاءوه على هذه الصفة {سيء بهم} أي حصلت له المساءة بسبب مجيئهم إلى قريته لما يعلم من لؤم أهلها، والتعبير عن هذا المعنى بالمبني للمفعول أحضر وأوقع في النفس وأرشق {وضاق بهم ذرعاً} أي ذرعه أي اتساعه في كل وقت قوة أوتيها، وهو مثل يقال لمن لم يجد من المكروه مخلصاً... ولما ذكر حاله، ذكر قاله بقوله: {وقال} أي لوط {هذا} أي اليوم {يوم عصيب} أي شديد جداً لما أعلم من جهالة مَن أنا بين ظهرانيهم، وهو مشتق من العصب وهو أطناب المفاصل وروابطها، ومداره على الشدة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لقد كان يعرف قومه. ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين. إذ يتركون النساء إلى الرجال، مخالفين الفطرة التي تهتدي إلى حكمة خلق الأحياء جميعا أزواجا، كي تمتد الحياة بالنسل ما شاء لها الله. والتي تجد اللذة الحقيقة في تلبية نداء الحكمة الأزلية، لا عن تفكير وتدبير، ولكن عن اهتداء واستقامة. والبشرية تعرف حالات مرضية فردية شاذة، ولكن ظاهرة قوم لوط عجيبة. وهي تشير إلى أن المرض النفسي يعدي كالمرض الجسدي. وأنه يمكن أن يروج مرض نفسي كهذا نتيجة لاختلال المقاييس في بيئة من البيئات، وانتشار المثل السيء، عن طريق إيحاء البيئة المريضة. على الرغم من مصادمته للفطرة، التي يحكمها الناموس الذي يحكم الحياة. الناموس الذي يقتضي أن تجد لذتها فيما يلبي حاجة الحياة لا فيما يصادمها ويعدمها. والشذوذ الجنسي يصادم الحياة ويعدمها، لأنه يذهب ببذور الحياة في تربة خبيثة لم تعد لاستقبالها وإحيائها. بدلا من الذهاب بها إلى التربة المستعدة لتلقيها وإنمائها. ومن أجل هذا تنفر الفطرة السليمة نفورا فطريا -لا أخلاقيا فحسب- من عمل قوم لوط. لأن هذه الفطرة محكومة بقانون الله في الحياة. الذي يجعل اللذة الطبيعية السليمة فيما يساعد على إنماء الحياة لا فيما يصدمها ويعطلها. ولقد نجد أحيانا لذة في الموت -في سبيل غاية أسمى من الحياة الدنيا- ولكنها ليست لذة حسية إنما هي معنوية اعتبارية. على أن هذه ليست مصادفة للحياة، إنما هي إنماء لها وارتفاع بها من طريق آخر. وليست في شيء من ذلك العمل الشاذ الذي يعدم الحياة وخلاياها.. سيء لوط بأضيافه. وهو يعلم ما ينتظرهم من قومه، ويدرك الفضيحة التي ستناله في أضيافه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الذرع: مدُّ الذراع فإذا أسند إلى الآدمِيّ فهو تقدير المسافة. وإذا أسند إلى البعير فهو مَدّ ذراعيه في السير على قدر سعة خطوتِه، فيجوز أن يكون: ضاق ذرعاً تمثيلاً بحال الإنسان الذي يريد مَدّ ذراعه فلا يستطيع مَدّهَا كما يريد فيكون ذَرعه أضيق من معتاده. ويجوز أن يكون تمثيلاً بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته فلا يستطيع مَدّ ذراعيه كما اعتاده. وأيّاً ما كان فهو استعارة تمثيلية لحال مَنْ لم يجد حيلة في أمر يريدُ علمه؟ بحال الذي لم يستطع مدّ ذراعه كما يشاء. وقوله: {هذا يوم عصيب} قاله في نفسه كما يناجي المرء نفسه إذا اشتد عليه أمر. والعصيب: الشديد فيما لا يرضي. يقال: يوم عصيب إذا حدث فيه أمر عظيم من أحوال الناس أو أحوال الجوّ كشدة البرد وشدة الحرّ...