المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

23- فلما أنجاهم مما تعرضوا له من الهلاك ، نقضوا عهدهم ، وعادوا مسرعين إلى الفساد الذي كانوا من قبل - يا أيها الناس - الناقضون للعهد إن عاقبة اعتدائكم وظلمكم سترجع عليكم - وحدكم - وإن ما تتمتعون به في دنياكم متاع دنيوي زائل ، ثم إلى الله مصيركم في النهاية فيجزيكم بأعمالكم التي أسلفتموها في دنياكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

وهنا ، وبعد الدعاء العريض ، هدأت العاصفة ، وانخفضت الأمواج ، وسكنت النفوس بعض السكون ، ووصلت السفن إلى شاطئ الأمان فماذا كانت النتيجة ؟

كانت النتيجة كما صورها القرآن الكريم : { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ وفى الأرض بِغَيْرِ الحق . . }

أى : فحين أنجاهم الله - تعالى - بفضله ورحمته من هذا الكرب العظيم الذي كانوا فيه ، إذا هم يسعون وفى الأرض فساداً . ويرتكبون البغي الفاضح الذي لا يخفى قبحه على أحد .

وقيد البغى بكونه بغير الحق ، لأنه لا يكون إلا كذلك ، إذ البغي معناه : تجاوز الحق ، يقال : بغي الجرح إذا تجاوز حده وفى الفساد .

فقوله : { بِغَيْرِ الحق } تأكيد لما يفيد البغى من التعدى والظلم ، فهو بغى ظاهر سافر لا يخفى قبحه على أحد .

وقيل قيده بذلك يخرج البغي على الغير وفى مقابلة بغيه . فإنه يسمى بغيا في الجملة ، لكنه بحق . وهو قول ضعيف ، لأن دفع البغي لا يسمى بغيا وإنما يسمى إنصافا من الظالم ، ولذا قال القرآن الكريم : { وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } وجاء التعبير بالفاء وإذا الفجائية ، للإِشعار بأنهم قوم بلغ بهم اللؤم والجحود ، أنهم بمجرد أن وطئت أقدامهم بر الأمان ، نسوا ما كانوا فيه من أهوال ، وسارعوا إلى الفساد وفى الأرض ، دون أن يردعهم رادع ، أو يصدهم ترغيب أو ترهيب .

والتعبير بقوله { فِى الأرض } للإِشارة إلى أن بغيهم قد شمل أقطارها ، ولم يقتصر على جانب من جوانبها .

وقوله - سبحانه - { ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } خطاب منه - سبحانه - لأولئك البغاة وفى كل زمان ومكان ، قصد به التهديد والوعيد .

أى : يأيها الناس الذين تضرعوا إلينا وفى ساعات الشدة ، وهرولوا إلى البغي بعد زوال تلك الشدة ، اعلموا أن بغيكم هذا مرجعه إليكم لا إلى غيركم فأنتم وحدكم الذين ستتحملون سوء عاقبته وفى الدنيا والآخرة .

واعلموا أن هذا البغي إنما تتمتعون به متاع الحياة الدنيا التيلا بقاء لها ، وإنما هي إلى زوال وفناء .

واعلموا كذلك أن مردكم إلينا بعد هذا التمتع الفاني . فنخبركم يوم الدين بكل أعمالكم ، وسنجازيكم عليها بالجزاء الذي تستحقونه .

وقوله : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ } مبتدأ وخبره { على أَنفُسِكُمْ } أى هو عليكم وفى الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم .

وقوله : { مَّتَاعَ الحياة الدنيا } : قرأ حفص عن عاصم { متاع } بفتح العين على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر . أى : تتمتعون به متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية .

وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : هو متاع الحياة الدنيا . وقوله : { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تذييل قصد به تهديدهم على بغيهم ، ووعيدهم عليه بسوء المصير حتى يرتدعوا وينزجروا .

/خ23

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

قال الله تعالى : { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ } أي : من تلك الورطة { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أي : كأن لم يكن من ذاك شيء{[14153]} { كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ }

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } أي : إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون{[14154]} به أحدا غيركم ، كما جاء في الحديث : " ما من ذنب أجدر{[14155]} أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ، مع ما يَدخر{[14156]} الله لصاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " . {[14157]}

وقوله : { مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ } أي : مصيركم ومآلكم{[14158]} { فننبئكم } أي : فنخبركم بجميع أعمالكم ، ونوفيكم{[14159]} إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .


[14153]:- في ت ، أ : "كأن لم يكن شيء من ذاك".
[14154]:- في ت : "يضرون".
[14155]:- في ت : "أحذر".
[14156]:- في ت : "يؤخر".
[14157]:- رواه أبو داود في السنن برقم (4902) والترمذي في السنن برقم (2511) وابن ماجه في السنن برقم (4211) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ، وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح".
[14158]:- في ت : "ومآبكم".
[14159]:- في ت : "ونوفكم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىَ أَنفُسِكُمْ مّتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا في البحر أنهم أحيط بهم من الجهد الذي كانوا فيه ، أخلفوا الله ما وعدوه ، وبغوا في الأرض ، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أذن الله لهم فيه من الكفر به والعمل بمعاصيه على ظهرها . يقول الله : يا أيها الناس إنما اعتداؤكم الذي تعتدونه على أنفسكم وإياها تظلمون ، وهذا الذي أنتم فيه مَتَاعَ الحَيَاةِ الدّنْيَا يقول : ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم . وعلى هذا التأويل ، البغي يكون مرفوعا بالعائد من ذكره في قوله : عَلى أنْفُسِكُمْ ويكون قوله : «مَتَاعُ الحَياةِ الدّنْيَا » مرفوعا على معنى : ذلك متاع الحياة الدنيا ، كما قال : لَمْ يَلْبَثُوا إلاّ ساعَةً مِن نَهار بلاغٌ بمعنى : هذا بلاغ ، وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك : إنما بغيكم في الحياة الدنيا على أنفسكم ، لأنكم بكفركم تكسبونها غضب الله ، متاع الحياة الدنيا ، كأنه قال : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، فيكون «البغي » مرفوعا بالمتاع ، و «على أنفسكم » من صلة «البغي » . وبرفع «المتاع » قرأت القّراء سوى عبد الله بن أبي إسحاق فإنه نصبه بمعنى : إنما بغيكم على أنفسكم متاعا في الحياة الدنيا ، فجعل ، «البغي » مرفوعا بقوله : على أنفُسِكُمْ والمتاع منصوبا على الحال . وقوله : ثُمّ إلَيْنا مَرّجِعُكُمْ يقول : ثم إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم ، وذلك بعد الممات . فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فنخبركم يوم القيامة بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله ، ونجازيكم على أعمالكم التي سلفت منكم في الدنيا .