وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل .
والكفؤ : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو في القدرة .
أى : ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - في ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، فهو كما قال - تعالى - : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير } ، وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفي الشرك بجميع ألوانه .
فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعددد بقوله : { الله أَحَدٌ } ، ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله : { الله الصمد } ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } .
كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب ، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة ، الذين يقولون بالتثليث ، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه ، وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة . . - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا .
( ولم يكن له كفوا أحد ) . . أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض . وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة العربية حيث للفرس دولة وسلطان ! !
هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .
وقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } أي : ليس له ولد ، ولا والد ، ولا صاحبة .
قال مجاهد : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } يعني : لا صاحبة له .
وهذا كما قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 101 ] أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه ، أو قريب يدانيه ، تعالى وتقدس وتنزه . قال الله تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 -95 ] ، وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 ، 27 ] ، وقال تعالى : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 158 ، 159 ] ، وفي الصحيح -صحيح البخاري- : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " {[30794]} .
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله ، عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدَني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا . وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد " .
ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا بمثله . تفرد بهما من هذين الوجهين{[30795]}
قوله تعالى : { ولم يكن له كفؤاً أحد } معناه : ليس له ضد ولا ند ولا شبيه ، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير ، وقرأ «كُفؤاً » بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة ، وقرأ بالهمز عاصم{[12027]} وأبو عمرو بخلاف عنه ، وقرأ حمزة : «كفْواً » بالهمز وإسكان الفاء ، وروي عن نافع «كفاً » بفتح الفاء ، وبغير همز . وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : ( ولم يكن له كفاء ) بكسر الكاف وفتح الفاء والمد . و [ كفوا ] خبر [ كان ] ، واسمها [ أحد ] ، والظرف ملغى ، وسيبويه رحمه الله تعالى يستحسن أن يكون الظرف -إذا تقدم- خبرا ، ولكن قد يجيء ملغى في أماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية ، وكما قال الشاعر –أنشده سيبويه- :
ما دام فيهن فصيل حيا{[12028]}
ويحتمل أن يكون [ كفوا ] حال لما تقدم من كونه وصفا للنكرة ، كما قال :
لعزة موحشا طلل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[12029]}
قال سيبويه : وهذا يقل في الكلام ، وبابه الشعر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن " {[12030]} .