المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

49- واذكروا من نعمنا عليكم أن نجَّيناكم من ظلم فرعون وأعوانه الذين كانوا يذيقونكم أشد العذاب ، فهم يذبحون الذكور من أولادكم لتَوَهّم أن يكون منهم من يذهب بملك فرعون ويستبقون الإناث ليستخدموهن ، وفى هذا العذاب والتعرض للفناء ابتلاءٌ شديد من ربكم واختبار عظيم لكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

ثانياً : نعمة إنجائهم من عدوهم :

ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة جليلة الشأن ، هي نعمة إنجائهم من عدوهم فقال تعالى :

{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب . . . }

الآية الكريمة معطوفة على قوله تعالى : { اذكروا نِعْمَتِيَ } في الآية السابقة ، من باب عطف المفصل على المجمل : أي : اذكروا نعمتي ، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون .

وإذ : بمعنى وقت ، " وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أي : اذكروا وقت أن نجيناكم ، والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث .

وآل الرجل : أهله وخاصته وأتباعه ، ويطلق غالباً على أولى الخطر والشأن من الناس ، فلا يقال آل الحجام أو الإِسكاف .

وفرعون : اسم لملك مصر كما يقال لملك الروم قيصر ، ولملك اليمن تبع ويسومونكم : من سامه خسفا إذا أذله واحتقره وكلفه ما لا يطيق .

والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ويكون في الخير والشر ، قال - تعالى - { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } والمعنى : اذكروا يا بني إسرائيل وقت أن نجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه ، ويبغونكم ما فيه إذلال لكم واستئصال لأعقابكم ، وامتهان لكرامتكم حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم ، ويستبقون نفوس نسائكم ، وفي ذلك العذاب ، وفي النجاة منه امتحان لكم بالسراء لتشكروا ، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدي بكم إلى الإِذلال في الدنيا ، والعذاب في الأخرى .

قال الإِمام الرازي - رحمه الله - ما ملخصه : واعلم أن الفائدة في ذكر هذه النعمة - أي نعمة إنجائهم من عدوهم - يتأتى من وجوه أهمها :

1- أن هذه الأشياء التي ذكرها الله - تعالى - لما كانت من أعظم ما يمتحن به الناس من جهة الملوك والظلمة ، صار تخليص الله - عز وجل - لهم من هذه المحن من أعظم النعم ، وذلك لأنهم عاينوا هلاك من حاول إهلاكهم ، وشاهدوا ذل من بالغ في إذلالهم ، ولا شك في أن ذلك من أعظم النعم ، وعظم النعمة يوجب المبالغة في الطاعة والبعد عن المعصية ، لذا ذكر الله هذه النعمة العظيمة ليلزمهم الحجة ، وليقطع عذرهم .

2- أنهم لما عرفوا أنهم كانوا في نهاية الذل . وكان عدوهم في نهاية العز ، إلا أنهم كانوا محقين ، وكان خصمهم مبطلا ، لا جرم زال ذل المحقين ، وبطل عز المبطلين ، فكأنه تعالى يقول لهم : لا تغتروا بكثرة أموالكم ولا بقوة مركزكم ، ولا تستهينوا بالمسلمين لقلة ذات يدهم ، فإن الحق إلى جانبهم . ومن كان الحق إلى جانبه ، فإن العاقبة لابد أن تكون له ) اه .

وخوطب بهذه النعمة اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع أن هذا الانجاء كان لأسلافهم ، لأن في نجاة أسلافهم نجاة لهم ، فإنه لو استمر عذاب فرعون للآباء لأفناهم ، ولما بقي هؤلاء الأبناء ، فلذلك كانت منه التنحية تحمل في طياتها منتين ، منه عل السلف لتخليصهم مما كانوا فيه من عذاب ومنة على الخلف لتمتعهم بالحياة بسببها ، فكان من الواجب عليهم جميعاً أن يقدروا هذه النعمة قدرها ، وأن يخلصوا العبادة لخالقهم الذي أنجاهم من عدوهم .

ولأن الإِنعام على أمة يعتبر إنعاماً شاملاً لأفرادها سواء منهم من أصابه ذلك الإِنعام ومن لم يصبه . ولأن الآثار التي تترتب عليه كثيرا ما يرثها الخلف عن السلف ، ولأن في إخبارهم بذلك تصديقاً للنبي - عليه الصلاة والسلام - فيما يبلغه عن ربه ، فقد أخبرهم بتاريخ من مضى منهم بصدق وأمانة ، وفي ذلك دليل على أنه صادق في نبوته ورسالته .

وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه ، مع أنه الآمر بتعذيب بني إسرائيل ، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عوناً له في أذاقتهم سوء العذاب ، وإنزال الإِذلال والأعناب بهم .

وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لليهود - وهو في ظاهرة خير - لأن هذا الإِبقاء عليهن ، كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق . فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة ، والطباع الطيبة .

قال الإِمام الرازي ما ملخصه : ( في ذبح الذكور دون الإِناث مضرة من وجوه :

أحدها : أن ذبح الأبناء يقتضي فناء الرجال ، وذلك يقتضي انقطاع النسل ، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك ، وهذا يقضي في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعاً .

ثانيهما : أن هلاك الرجال يقتضي فساد مصالح النساء في أمر المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال . لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد . فصارت هذه الخطة عظيمة في المحن ، والنجاة منها تكون في العظم بحسبها .

ثالثها : أن قتل الولد عقب الحمل الطويل ، وتحمل التعب ، والرجاء القوي في الانتفاع به ، من أعظم العذاب ، فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة .

رابعها : أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهم ، يؤدي إلى صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان ) .

وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء في قوله تعالى : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } الأطفال دون البالغين ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشافة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح .

ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال لا الأطفال ، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء ، والنساء هن البالغات .

والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا ، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإِنجاء ، حيث كان أهل فرعون يقتلون الصغار قطعاً للنسل ، ويسترقون الامهات استعباداً لهن ، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج ، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت .

وقد جاءت جملة { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } في هذه الآية الكريمة بدون عطف وجاءت في سورة إبراهيم معطوة بالواو . لأنها هنا بيان وتفسير لجملة { يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب } فيكون المراد من سوء العذاب هنا تذبيح الأبناء واستحياء النساء .

وأما في سورة إبراهيم . فقد جاء سياق الآيات لتعداد المحن التي حلت ببني إسرائيل ، فكان المراد بجملة { يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب } نوعاً منه ، والمراد بجملة { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } نوعاً آخر من العذاب ، لذا وجب العطف ، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى ، وإنما هي تمثل نوعاً آخر من المحن التي حلت بهم .

هذا ، وقد تكرر تذكير بني إسرائيل بنعمة إنجائهم من عدوهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم ، وذلك لجلال شأنها ، ولحملهم على الطاعة والشكر .

1- من ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف : { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } 2 - وقوله تعالى في سورة طه : { يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى } فهذه الآيات الكريمة وغيرها مما هي في معناها فيها تذكير لبني إسرائيل بنعمة من أجل نعم الله عليهم ، حيث أنجاهم - سبحانه - ممن أراد لهم السوء ، وعمل على قتلهم وإبادتهم واستئصال شأفتهم ، وفي ذلك ما يدعوهم إلى الاجتهاد في شكر الله - عز وجل - لو كانوا ممن يحسنون شكر النعم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

40

بعدئذ يمضي يعدد آلاء الله عليهم ، وكيف استقبلوا هذه الآلاء ، وكيف جحدوا وكفروا وحادوا عن الطريق . وفي مقدمة هذه النعم كانت نجاتهم من آل فرعون ومن العذاب الأليم :

( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ، يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم . وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) . .

إنه يعيد على خيالهم ويستحيي في مشاعرهم صورة الكرب الذي كانوا فيه - باعتبار أنهم أبناء هذا الأصل البعيد - ويرسم أمامهم مشهد النجاة كما رسم أمامهم مشاهد العذاب .

يقول لهم : واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون حالة ما كانوا يديمون عذابكم ، [ من سام الماشية أي جعلها سائمة ترعى دائما ] وكأن العذاب كان هو الغذاء الدائم الذي يطعمونهم إياه ! ! ثم يذكر لونا من هذا العذاب . هو تذبيح الذكور واستيحاء الإناث . كي يضعف ساعد بني إسرائيل وتثقل تبعاتهم !

وقبل أن يعرض مشهد النجاة يعقب بأن ذلك التعذيب كان فيه بلاء من ربهم عظيم . ليلقي في حسهم - وحس كل من يصادف شدة - أن إصابة العباد بالشدة هي امتحان وبلاء ، واختبار وفتنة . وأن الذي يستيقظ لهذه الحقيقة يفيد من الشدة ، ويعتبر بالبلاء ، ويكسب من ورائهما حين يستيقظ . والألم لا يذهب ضياعا إذا أدرك صاحبه أنه يمر بفترة امتحان لها ما بعدها إن أحسن الانتفاع بها . والألم يهون على النفس حين تعيش بهذا التصور وحين تدخر ما في التجربة المؤلمة من زاد للدنيا بالخبرة والمعرفة والصبر والاحتمال ، ومن زاد للآخرة باحتسابها عند الله ، وبالتضرع لله وبانتظار الفرج من عنده وعدم اليأس من رحمته . . ومن ثم هذا التعقيب الموحى : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

يقول تعالى{[1718]} : واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم " إِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ " أي : خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة{[1719]} موسى ، عليه السلام ، وقد كانوا يسومونكم ، أي : يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب . وذلك أن فرعون - لعنه الله - كان قد رأى رؤيا هالته ، رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت دور القبط ببلاد مصر ، إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ، ويقال : بل تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم ، يكون لهم به دولة ورفعة ، وهكذا جاء في حديث الفُتُون ، كما سيأتي في موضعه [ في سورة طه ]{[1720]} إن شاء الله ، فعند ذلك أمر فرعون - لعنه الله - بقتل كل [ ذي ]{[1721]} ذَكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تترك البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأراذلها .

وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء ، وفي سورة إبراهيم عطف عليه ، كما قال : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } [ إبراهيم ] وسيأتي تفسير{[1722]} ذلك في أول سورة القصص ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة والمعونة والتأييد .

ومعنى { يَسُومُونَكُمْ } أي : يولونكم ، قاله أبو عبيدة ، كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ، قال عمرو بن كلثوم :

إذا ما الملك سام الناس خسفا *** أبينا أن نقر الخسف فينا

وقيل : معناه : يديمون عذابكم ، كما يقال : سائمة الغنم من إدامتها الرعي ، نقله القرطبي ، وإنما قال هاهنا : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } ثم فسره بهذا لقوله هاهنا { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وأما في سورة إبراهيم فلما قال : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] ، أي : بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي .

وفرعون علم على كل مَنْ مَلَكَ مصر ، كافرًا من العماليق{[1723]} وغيرهم ، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرًا ، وكسرى لكل من ملك الفرس ، وتُبَّع لمن ملك اليمن كافرا [ والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك الهند ]{[1724]} ويقال : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى ، عليه السلام ، الوليد بن مصعب بن الريان ، وقيل : مصعب بن الريان ، أيا ما كان فعليه لعنة الله ، [ وكان من سلالة عمليق بن داود بن إرم بن سام بن نوح ، وكنيته أبو مرة ، وأصله فارسي من استخر ]{[1725]} .

وقوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال ابن جرير : وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا إياكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم . أي : نعمة عظيمة عليكم في ذلك{[1726]} .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ في ]{[1727]} قوله : { بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال : نعمة . وقال مجاهد : { بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال : نعمة من ربكم عظيمة . وكذا قال أبو العالية ، وأبو مالك ، والسدي ، وغيرهم .

وأصل البلاء : الاختبار ، وقد يكون بالخير والشر ، كما قال تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 25 ] ، وقال : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] .

قال ابن جرير : وأكثر ما يقال في الشر : بلوته أبلوه بَلاءً ، وفي الخير : أبليه إبلاء وبلاء ، قال زهير بن أبي سلمى :

جزى الله بالإحسان ما فَعَلا بكُم *** وأبلاهما خَيْرَ البلاءِ الذي يَبْلُو{[1728]}

قال : فجمع بين اللغتين ؛ لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يَخْتَبر بها عباده .

[ وقيل : المراد بقوله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ } إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء ؛ قال القرطبي : وهذا قول الجمهور ولفظه بعدما حكى القول الأول ، ثم قال : وقال الجمهور : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء هاهنا في الشر ، والمعنى في الذبح مكروه وامتحان ]{[1729]} .


[1718]:في جـ: "يقول الله تبارك وتعالى".
[1719]:في جـ: "بصحبة".
[1720]:زيادة من جـ، ط.
[1721]:زيادة من جـ.
[1722]:في جـ، ط: "تفصيل".
[1723]:في جـ: "العمالقة".
[1724]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1725]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1726]:في جـ: "أي نعمة عليكم عظيمة في ذلك".
[1727]:زيادة من جـ، أ.
[1728]:البيت في تفسير الطبري (2/49).
[1729]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

{ وإذ نجيناكم من آل فرعون } تفصيل لما أجمله في قوله : { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } وعطف على { نعمتي } عطف { جبريل } و{ ميكائيل } على { الملائكة } وقرئ " أنجيتكم " . وأصل { آل } أهل لأن تصغيره أهيل ، وخص بالإضافة إلى أولي الخطر كالأنبياء والملوك . و{ فرعون } لقب لمن ملك العمالقة ككسرى وقيصر لملكي الفرس والروم . ولعتوهم اشتق منه تفرعن الرجل إذا عتا وتجبر ، وكان فرعون موسى ، مصعب بن ريان ، وقيل ابنه وليد من بقايا عاد . وفرعون يوسف عليه السلام ، ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة .

{ يسومونكم } يبغونكم ، من سامه خسفا إذا أولاه ظلما ، وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء .

{ سوء العذاب } أفظعه فإنه قبيح بالإضافة إلى سائره ، والسوء مصدر ساء يسوء ونصبه على المفعول ليسومونكم ، والجملة حال من الضمير في نجيناكم ، أو من { آل فرعون } ، أو منهما جميعا لأن فيها ضمير كل واحد منهما .

{ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } بيان ليسومونكم ولذلك لم يعطف ، وقرئ { يذبحون } بالتخفيف . وإنما فعلوا بهم ذلك لأن فرعون رأى في المنام ، أو قال له الكهنة : سيولد منهم من يذهب بملكه ، فلم يرد اجتهادهم من قدر الله شيئا .

{ وفي ذلكم بلاء } محنة ، إن أشير بذلكم إلى صنيعهم ، ونعمة إن أشير به إلى الإنجاء ، وأصله الاختبار لكن لما كان اختبار الله تعالى عباده تارة بالمحنة وتارة بالمنحة أطلق عليهما ، ويجوز أن يشار بذلكم إلى الجملة ويراد به الامتحان الشائع بينهما .

{ من ربكم } بتسليطهم عليكم ، أو ببعث موسى عليه السلام وتوفيقه لتخليصكم ، أو بهما . { عظيم } صفة بلاء . وفي الآية تنبيه على أن ما يصيب العبد من خير أو شر إختبار من الله تعالى ، فعليه أن يشكر على مساره ويصبر على مضاره ليكون من خير المختبرين .