النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

قوله عز وجل : { وَإِذْ نَجَّيناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } يعني من قوم فرعون ، وآل الرَّجُلِ : هم الَّذين تؤول أمورهم إليه ، إما في نسب ، أو في صحبة .

وَاختُلِف في الآل والأهل على قولين :

أحدهما : أنهما سواء .

والثاني : وهو قول الكسائي : أنه يقال : آل الرجل ، إذا ذكر اسمهُ ، فإن كُنيَ عنه قيل أهله ، ولم يُقَلْ آله ، كما يقال : أهل العلم ، وأهل البصرة ، ولا يقال : آل العلم ، وآل البصرة .

وفِرْعَوْنُ : قيل إنه ذلك الرجل بعينه ، وقيل إنه اسمُ كلِّ ملكٍ من ملوك{[110]} العمالقة ، مثل قيصر للروم ، وكسرى للفرس ، وأن اسْمَ فِرْعَوْنِ مَوسَى : الوليدُ بنُ مُصْعَبٍ .

وفي قوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } ثلاثةُ تأويلاتٍ :

أحدها : معناه{[111]} يولونكم ، مِنْ قولهم : سَامَهُ خطة خَسْفٍ ، إذا أولاه .

والثاني : يُجَشِّمُونَكُمُ الأعمال الشَّاقَّة .

والثالث : يزيدونكم على سوء العذاب ، ومنه مساومة البيع ، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ ، ويزيد المشتري على ثمنٍ ، وهذا قول المفضل .

قوله تعالى : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أي يستبقون ، وهو استفعال من الحياة ، لأنهم كانوا يُذَبِّحُونَ الذكور ، ويستبقون الإناث .

وأما اسم النساء ، فقد قيل : إنه ينطلق على الصغار والكبار ، وقيل : بل ينطلق على الكبار ، وإنما سَمَّي الصغار نساءً ، على معنى أنهُنَّ يبقِين ، حتَّى يصِرْنَ نساءً{[112]} .

وإنما كان استبقاءُ النساء من سوء العذاب ، لأنهم كانوا يستبقونهن للاسترقاق والخدمة ، فصار ذلك هو سُوءَ العذاب ، لا الاستبقاء .

وفي قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } تأويلان :

أحدهما : أن فيما كانوا يفعلونه بهم : مِنْ سوء العذاب ، وذبح الأبناء ، واستحياء النساءِ شدةً وجهداً عظيماً .

والثاني : أن في إنجائهم من آل فرعونَ ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ ، وهو قول ابن عباسٍ ، ومجاهدٍ ، والسدي .

وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر ، كما قال عز وجل :

{ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }{[113]} لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر ، غير أن الأكثر في الشر أن يقال : بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً ، وفي الخير : أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً ، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ :

جَزَى اللهُ بِالإْحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُمْ *** فَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاءِ الَّذِي يَبْلُو

فجمع بين اللُّغَتين .


[110]:- من ملوك: ساقطة من ك.
[111]:- هذا قول أبي عبيدة، ومنه قول عمرو بن كلثوم: إذا مال الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا
[112]:- في الأصول: "أنهم يبقون حتى يصيرون نساء" وفيه عدة أخطاء نحوية.
[113]:- الآية 35 من سورة الأنبياء.