فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

{ وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ، وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } .

{ وإذ نجيناكم من آل فرعون } أي واذكروا إذ خلصنا أسلافكم وأجدادكم ، فاعتده نعمة ومنة عليهم ، لأنهم نجوا بنجاة أسلافهم ، وهذا شروع في تفصيل نعم الله عليهم ، وفصلت بعشرة أمور تنتهي بقوله : { وإذ استسقى موسى } والنجاة النجوى من الأرض وهي ما ارتفع منها ، ثم سمى كل فائز وخارج من ضيق إلى سعة ناجيا وإن لم يلق على نجوة { وآل فرعون } قومه والآل يضاف إلى ذوي الخطر ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة ، وجوزه الأخفش ، واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق .

وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه ، وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة أولاد عمليق بن لاوز بن أرم بن سام بن نوح كما يسمى من ملك الفرس كسرى ، ومن ملك الروم قيصر ، ومن ملك الحبشة النجاشي ، وقيل فرعون اسم علم لمن كان يملك مصر من القبط والعماليق ، واسم فرعون موسى المذكور هو قابوس في قول أهل الكتاب ، وقال وهب اسمه الوليد ابن مصعب بن الريان ، وعمر أكثر من أربعمائة سنة ، وعاش موسى مائة وعشرين سنة ، قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية ، وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون ، وقد تفرعن ، وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر ، وقال في الكشاف تفرعن فلان إذا عتى وتجبر .

{ يسومونكم } أي يكلفونكم ويولونكم قاله أبو عبيدة ، وقيل يذوقونكم ويلزمونكم إياه ، وأصل السوم الدوام ، ومنه سائمة الغنم لمداومته الرعي ، وفي الكشاف أصله في سام السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبيعونكم سوء العذاب ويريدونكم عليه ، انتهى .

{ سوء العذاب } أي أشده وأسوأه وأفظعه ، وإن كان كله سيئا ، والسوء كل ما يغم الإنسان من أمر دنيوي أو أخروي .

{ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } الذبح في الأصل الشق وهو فري أوداج المذبوح ، قيل ذبحوا منهم اثني عشر ألفا ، وقيل سبعين ألفا ، وهل نساء جمع نسوة أو جمع امرأة من حيث المعنى قولان ، والمراد يتركون نساءكم أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن ، وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء النساء لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده ، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق عليهن ، وقالت طائفة أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله نساءكم والأول أصح بشهادة السبب ، ولا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار .

والإشارة بقوله { وفي ذلكم } إلى جملة الأمر من الإنجاء والذبح ، قاله ابن عطية .

{ بلاء من ربكم عظيم } أي اختيار وامتحان ، والبلاء يطلق تارة على الخير وتارة على الشر ، فإن أريد به هنا الشر ، كانت الإشارة إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه ، وأن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين ، وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة فرجع الجمهور الأول ورجح الآخرون الآخر ، قال ابن كيسان أبلاه وبلاه في الخير والشر ، وقيل الأكثر في الخير أبليته وفي الشر بلوته ، وفي الاختبار ابتليته وبلوته قاله النحاس ، استدل به بعض من يقول بالتناسخ وقال إن القوم كانوا هم بأعيانهم ، فلما تطاولت عليهم مدة التلاشي والبلى نسوا فذكروا ، قال الكرماني وهذا محال وجهل بكلام العرب ، فإن العرب تخاطب بمثل هذا وتعني الجد الأعلى والأب الأبعد .