{ وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ، وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } .
{ وإذ نجيناكم من آل فرعون } أي واذكروا إذ خلصنا أسلافكم وأجدادكم ، فاعتده نعمة ومنة عليهم ، لأنهم نجوا بنجاة أسلافهم ، وهذا شروع في تفصيل نعم الله عليهم ، وفصلت بعشرة أمور تنتهي بقوله : { وإذ استسقى موسى } والنجاة النجوى من الأرض وهي ما ارتفع منها ، ثم سمى كل فائز وخارج من ضيق إلى سعة ناجيا وإن لم يلق على نجوة { وآل فرعون } قومه والآل يضاف إلى ذوي الخطر ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة ، وجوزه الأخفش ، واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق .
وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه ، وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة أولاد عمليق بن لاوز بن أرم بن سام بن نوح كما يسمى من ملك الفرس كسرى ، ومن ملك الروم قيصر ، ومن ملك الحبشة النجاشي ، وقيل فرعون اسم علم لمن كان يملك مصر من القبط والعماليق ، واسم فرعون موسى المذكور هو قابوس في قول أهل الكتاب ، وقال وهب اسمه الوليد ابن مصعب بن الريان ، وعمر أكثر من أربعمائة سنة ، وعاش موسى مائة وعشرين سنة ، قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية ، وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون ، وقد تفرعن ، وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر ، وقال في الكشاف تفرعن فلان إذا عتى وتجبر .
{ يسومونكم } أي يكلفونكم ويولونكم قاله أبو عبيدة ، وقيل يذوقونكم ويلزمونكم إياه ، وأصل السوم الدوام ، ومنه سائمة الغنم لمداومته الرعي ، وفي الكشاف أصله في سام السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبيعونكم سوء العذاب ويريدونكم عليه ، انتهى .
{ سوء العذاب } أي أشده وأسوأه وأفظعه ، وإن كان كله سيئا ، والسوء كل ما يغم الإنسان من أمر دنيوي أو أخروي .
{ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } الذبح في الأصل الشق وهو فري أوداج المذبوح ، قيل ذبحوا منهم اثني عشر ألفا ، وقيل سبعين ألفا ، وهل نساء جمع نسوة أو جمع امرأة من حيث المعنى قولان ، والمراد يتركون نساءكم أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن ، وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء النساء لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده ، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق عليهن ، وقالت طائفة أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله نساءكم والأول أصح بشهادة السبب ، ولا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار .
والإشارة بقوله { وفي ذلكم } إلى جملة الأمر من الإنجاء والذبح ، قاله ابن عطية .
{ بلاء من ربكم عظيم } أي اختيار وامتحان ، والبلاء يطلق تارة على الخير وتارة على الشر ، فإن أريد به هنا الشر ، كانت الإشارة إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه ، وأن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين ، وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة فرجع الجمهور الأول ورجح الآخرون الآخر ، قال ابن كيسان أبلاه وبلاه في الخير والشر ، وقيل الأكثر في الخير أبليته وفي الشر بلوته ، وفي الاختبار ابتليته وبلوته قاله النحاس ، استدل به بعض من يقول بالتناسخ وقال إن القوم كانوا هم بأعيانهم ، فلما تطاولت عليهم مدة التلاشي والبلى نسوا فذكروا ، قال الكرماني وهذا محال وجهل بكلام العرب ، فإن العرب تخاطب بمثل هذا وتعني الجد الأعلى والأب الأبعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.