المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

10- قال أحد المتحدثين منهم : لا تقتلوا يوسف ، فإن ذلك جرم عظيم ، وألقوه فيما يغيب عن العيون من غور البئر ، يلتقطه بعض السائرين في الطريق ، إذا ألقى دلوه في البئر ، فيذهب به بعيداً عنكم وعن أبيه ، إن كنتم مصرين على إبعاده وتحقيق غرضكم بالفعل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

وقوله - سبحانه - { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم ، واستقر عليه أمرهم .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب } قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة " في غيابة الجب " بالإِفراد - وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " - بالجمع- .

وكل شئ غيب عنك شيئا فهو غيابة ، ومنه قيل للقبر غيابة - قال الشاعر :

فإن أنا يوما غيبتنى غيابتى . . . فسيروا بسيرى في العشيرة والاهل

والجب : الركية - أى الحفرة - التي لم تطو - أى لم بتن بالحجارة - فإذا طويت فهى بئر . وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا . وجمع الجب جببه وجباب وأجباب .

وجمع بين الغيابة والجبن ، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . . .

والسيارة : جمع سيار ، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم .

والمعنى : قال قائل من إخوة يوسف أفرزعه ما هم مقدمون علهي بشأن أخيهم الصغير : لا تقتلوا يوسف ، لأن قتله جرم عظيم ، وبدلا من ذلك ، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره ، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم ، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم .

ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه ، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض ، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل " يهوذا "

والفائدة في وصفه بأنه منهم ، الإِخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت .

وأتى باسم يوسف دون ضميره ، لاستدرار عطفهم عليه ، وشفقتهم به ، واستعظام أمر قتله .

وجواب الشرط في قوله { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } محذوف لدلالة " وألقوه " عليه .

والمعنى : إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب ، فألقوه في غيابة الجب ، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا .

وفى هذه الجملة من هذا القائل ، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ ، حيث فوض الأمر إليهم ، تعظيما لهم ، وحذرا من سوء ظنهم به ، فكان أمثلهم رأيا ، وأقربهم إلى التقوى .

قالوا : وفى هذا الرأى عبرة في الاقتصاد عند الانتقام ، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط ، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم . وهذا الإِبعاد يتم عن طريق إلقائه في غيابة الجب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

ولكن ضميرا واحدا فيهم ، يرتعش لهول ما هم مقدمون عليه . فيقترح حلا يريحهم من يوسف ، ويخلي لهم وجه أبيهم ، ولكنه لا يقتل يوسف ، ولا يلقيه في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك . إنما يلقيه في الجب على طريق القوافل ، حيث يرجح أن تعثر عليه إحدى القوافل فتنقذه وتذهب به بعيدا :

( قال قائل منهم : لا تقتلوا يوسف ، وألقوه في غيابة الجب ، يلتقطه بعض السيارة . إن كنتم فاعلين ) . .

ونحس من قوله :

( إن كنتم فاعلين ) . .

روح التشكيك والتثبيط . كأنه يشككهم في أنهم مصرون على إبقاع الأذى بيوسف . وهو أسلوب من أساليب التثبيط عن الفعل ، واضح فيه عدم الارتياح للتنفيذ . ولكن هذا كان أقل ما يشفي حقدهم ؛ ولم يكونوا على استعداد للتراجع فما اعتزموه . . نفهم هذا من المشهد التالي في السياق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } قال قتادة ، ومحمد بن إسحاق : كان أكبرهم واسمه روبيل . وقال السدي : الذي قال ذلك يهوذا . وقال مجاهد : هو شمعون { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } أي : لا تَصِلوا{[15070]} في عداوته وبغضه إلى قتله ، ولم يكن لهم{[15071]} سبيلٌ إلى قتله ؛ لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لا بدّ من إمضائه وإتمامه ، من الإيحاء إليه بالنبوة ، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها ، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب ، وهو أسفله .

قال قتادة : وهي بئر بيت المقدس .

{ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } أي : المارة من المسافرين ، فتستريحوا بهذا ، ولا حاجة إلى قتله .

{ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } أي : إن كنتم عازمين على ما تقولون .

قال محمد بن إسحاق بن يسار : لقد اجتمعوا على أمر عظيم ، من قطيعة الرحم ، وعقوق الوالد ، وقلة الرأفة بالصغير الضَّرَع الذي لا ذنب له ، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل ، وخطره عند الله ، مع حق الوالد على ولده ، ليفرقوا بينه وبين ابنه{[15072]} وحبيبه ، على كبر سنه ، ورِقَّة عظمه ، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلا صغيرا ، وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ، فقد احتملوا أمرا عظيما .

رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ، عنه .


[15070]:- في أ : "لا تغلوا".
[15071]:- في ت : "له".
[15072]:- في ت : "أبيه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال قائل من إخوة يوسف : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، وقيل : إن قائل ذلك : روبيل ، كان ابن خالة يوسف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، ذكر لنا أنه روبيل ، كان أكبر القوم ، وهو ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { اقْتُلُوا يُوسُفَ . . . } ، إلى قوله : { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، قال : ذكر لي ، والله أعلم ، أن الذي قال ذلك منهم : روبيل ، الأكبر من بني يعقوب ، وكان أقصدهم فيه رأيا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : كان أكبر إخوته ، وكان ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله .

وقيل : كان قائل ذلك منهم : شمعون . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : { قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } ، قال : هو شمعون .

وقوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ } ، يقول : وألقوه في قعر الجبّ حيث يغيب خبره .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة : { غَياباتِ الجُبّ } ، على الجماع . وقرأ ذلك عامة قرّاء سائر الأمصار : { غَيابَةِ الجُبّ } ، بتوحيد الغيابة . وقراءة ذلك بالتوحيد أحبّ إليّ .

والجبّ : بئر . وقيل : إنه اسم بئر ببيت المقدس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الُجْبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : بئر ببيت المقدس .

والغيابة : كل شيء غيب شيئا فهو غيابة ، والجبّ : البئر غير المطوية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، في بعض نواحيها : في أسفلها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يقول : في بعض نواحيها .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، قال : قالها كبيرهم الذي تخلف . قال : والجبّ : بئر بالشام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ألْقُوهُ فِي غَيابَةِ الجُبّ } ، يعني : الركية .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : الجبّ : البئر .

وقوله : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، يقول : يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين . { إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ } ، يقول : إن كنتم فاعلين ما أقول لكم . فذكر أنه التقطه بعض الأعراب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، قال : التقطه ناس من الأعراب .

وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ : { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ } ، بالتاء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، عن مطر الورّاق ، عن الحسن .

وكأن الحسن ذهب في تأنيثه بعض السيارة إلى أن فعل بعضها فعلها ، والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن المضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرا عن جميعه ، وذلك كقول الشاعر :

أرَى مَرّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنّي *** كمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

فقال : «أخذن مني » ، وقد ابتدأ الخبر عن المراد ، إذ كان الخبر عن المرّ خبرا عن السنين ، وكما قال الاَخر :

إذا ماتَ مِنْهُمْ سَيّدٌ قامَ سَيّدٌ *** فَدَانَتْ لهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ

فقال : «دانت له » ، والخبر عن أهل القرى ، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى . ومن قال ذلك ، لم يقل : فدانت له غلام هند ، لأن الغلام لو ألقى من الكلام لم تدلّ هند عليه ، كما يدل الخبر عن القرية على أهلها . وذلك أنه لو قيل : فدانت له القرى ، كان معلوما أنه خبر عن أهلها ، وكذلك بعض السيارة ، لو ألقى البعض ، فقيل : تلتقطه السيارة ، علم أنه خبر عن البعض أو الكلّ ، ودلّ عليه الخبر عن السيارة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

والقائل منهم قيل : هو روبيل - أسنهم - قاله قتادة وابن إسحاق ، وقيل : يهوذا أحلمهم ، وقيل شمعون أشجعهم ، قاله مجاهد ، وهذا عطف منه على أخيه لا محالة لما أراد الله من إنفاذ قضائه . و «الغيابة » ما غاب عنك من الأماكن أو غيب عنك شيئاً آخر .

وقرأ الجمهور : «غيابة الجب » ، وقرأ نافع وحده «غيابات الجب » ، وقرأ الأعرج «غيّابات الجب » بشد الياء ، قال أبو الفتح : هو اسم جاء على فعالة ، كان أبو علي يلحقه بما ذكر سيبويه من الفياد ونحوه{[6573]} ، ووجدت أنا من ذلك : التيار للموج والفجار للخزف .

قال القاضي أبو محمد : وفي شبه غيابة بهذه الأمثلة نظر لأن غيابة جارية على فعل{[6574]} .

وقرأ الحسن : «في غيبة الجب » على وزن فعلة{[6575]} ، وكذلك خطت في مصحف أبي بن كعب ، ومن هذه اللفظة قول الشاعر - وهو المنخل -

فإن أنا يوماً غيبتني غيابتي*** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل{[6576]}

و { الجب } البئر التي لم تطو{[6577]} لأنها جبت من الأرض فقط .

وقرأ الجمهور : «يلتقطه بعض » بالياء من تحت على لفظ بعض ، وقرأ الحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبو رجاء «تلتقطه » بالتاء ، وهذا من حيث أضيف { البعض } إلى { السيارة } فاستفاد منها تأنيث العلاقة ، ومن هذا قول الشاعر : [ الوافر ]

أرى مرّ السنين أخذنْ منّي*** كما أخذ السرار من الهلال{[6578]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

إذا مات منهم سيد قام سيد*** فذلت له أهل القرى والكنائس{[6579]}

وقول كعب : [ الكامل ]

ذلت لوقعتها جميع نزار . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[6580]}

حين أراد بنزار القبيلة ، وأمثلة هذا كثير .

وروي أن جماعة من الأعراب التقطت يوسف عليه السلام : و { السيارة } جمع سيار . وهو بناء للمبالغة ، وقيل في هذا { الجب } : أنه بئر بيت المقدس . وقيل : غيره : وقيل : لم يكن حيث طرحوه ماء ولكن أخرجه الله فيه حتى قصده الناس للاستقاء : وقيل : بل كان فيه ماء كثير يغرق يوسف فنشز حجر من أسفل الجب حتى ثبت عليه يوسف ، وروي أنهم رموه بحبل فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه حينئذ ، وهموا برضخه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك .


[6573]:الفياد: المتبختر، (المعجم الوسيط)، وفي "المحتسب" لأبي الفتح في نفس الموضع: "الفياد لذكر اليوم"، وفيه: "والحمام، والجيار- السعال – والكرار- كبش الراعي-"، و من أمثلة ذلك أيضا: الجبار والكلاء.
[6574]:امدان. أي: مشتقة من فعل، بخلاف التيار والفخار فهما
[6575]:قال أبو الفتح في "المحتسب": "فيجوز أن يكون حدثا: فعلة من غبت، فيكون كقولنا: في ظلمة الجب، ويجوز أن يكون موضعا على فعلة كالقرمة"- بفتح القاف وكسرها وهي من سمات الإبل تكون فوق الأنف – والجرفة – بفتح الجيم وكسرها أيضا، وهي كذلك من سمات الإبل تكون دون الأنف.
[6576]:البيت للمنخل السعدي، ويروى: "في العشيرة"، والغاية هنا: القبر، يقال: وقع في غيابة من الأرض، أي في منهبط منها، يقول: إذا أنا مت في يوم من الأيام، وغيبني القبر في جوفه فاتبعوا سنتي وسيروا بسيرتي مع أهلي وعشيرتي.
[6577]:البئر المطوية هي التي بنيت بالحجارة ونحوها، أو عرشت، والبئر التي لم تطو هي التي حفرت وتركت دون بناء أو عرش.
[6578]:السرار بفتح السين وكسرها: الليلة التي يخفى فيها الهلال آخر الشهر، والشاهد في (أخذن) فقد أنثها الشاعر بالنون مع أنها تعود على (مر) إلى (السين) اكتسب منها التأنيث.
[6579]:هذا البيت من شواهد الكسائي، وقد أورده الفراء في "معاني القرآن"، وقال: "والعرب إذا أضافت المذكر إلى المؤنث وهو فعل له أو بعض له قالوا فيه بالتذكير والتأنيث، وإنما جاز ذلك لأن الثاني يكفي من الأول، ألا ترى أنه لو قيل: "تلتقطه السيارة" لجاز، ولا يجوز أن يقال: "ضربتي غلام جاريتك" لأنه ألقيت (غلام) لم تدخل الجارية على معناه؟". هذا ومثل البيتين قول الأعشى يخاطب يزيد بن مسهر الشيباني وكانت بينهما مهاجاة: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم فقال: شرقت وهي منسوبة إلى (صدر). ومعنى البيت: يعود عليك مكروه ما أذعته عني من القول وما نسبته إلى من الفعل القبيح فلا تجد منه مخلصا، والإنسان يشرق بالماء كما يغص بالطعام.
[6580]:هذا عجز بيت من أبيات قالها يمدح الأنصار بعد أن عاتبوه على الغض – من شأنهم في قصيدته المشهورة " بانت سعاد"، وهو بتمامه: صدموا الكتيبة يوم بدر صدمة ذلت لوقعتهـــــا جميع نزار. ويروى البيت: "زلت لوقعتها رقاب نزار"، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قال قائل منهم}... {لا تقتلوا يوسف} فإن قتله عظيم، {و} لكن {وألقوه في غيابت الجب} على طريق الناس، فيأخذونه فيكفونكم أمره، يعني: الزائغة من البئر ما يتوارى عن العين ولا يراه أحد، فهو غيابت الجب، {يلتقطه بعض السيارة}، فيذهبوا به فيكفونكم أمره، {إن كنتم} لا بد {فاعلين}، من الشر الذي تريدون به.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: {لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ}... وقوله: {وألْقُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ}، يقول: وألقوه في قعر الجبّ حيث يغيب خبره. والجبّ: بئر... والجبّ: البئر غير المطوية...

{يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ}، يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين.

{إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ}، يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الأعراب.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ}. لما تآمروا على أحد شيئين مِنْ قَتْلٍ أو إبعادٍ عن أبيه أشار عليهم هذا القائل حين قالوا لا بد من أحد هذين بأنقص الشرَّين وهو الطرح في جُبٍّ قليل الماء ليأخذه بعض السيارة وهم المسافرون...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إخوةُ يوسف -وإنْ قابلوه بالجفاء- مَنَعَتْهُم شفقةُ النَّسَبِ وحُرْمةُ القرابةِ من الإقدام على قتله؛ فقالوا لا تقتلوه وغَيِّبُوا شَخْصَه. ويقال إنما حَمَلَهم على إلقائه مرادُهم أن يخلوَ لهم وجهُ أبيهم، فلمَّا أرادوا حصولَ مرادهم في تغييبه لم يبالغوا في تعذيبه. ويقال لمَّا كان المعلوم له -سبحانه- في أمر يوسف تبليغه إياه تلك القربة ألقى الله في قلبِ قائلهم حتى قال: {لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ}. ثم إنه -وإن أبلاه في الحال- سَهَّلَ عليه ذلك في جَنْبِ ما رقَّاه إليه في المآل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: إن هذا لمن أعجب العجب من مطلق الأقارب فضلاً عن الإخوة، فماذا قالوا عند سماعه؟ فقيل: {قال} ولما كان السياق لأن الأمر كله لله، فهو ينجي من يشاء بما يشاء، لم يتعلق القصد ببيان الذي كانت على يده النجاة، فقال مبهماً إشعاراً بأنه يجب قول النصح من أيّ قائل كان، وأن الإنسان لا يحقر نفسه في بذل النصح على أيّ حال كان: {قائل} ثم عينه بعض التعيين فقال: {منهم} أي إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام {لا تقتلوا يوسف} لا بأيديكم ولا بالإلقاء في المهالك، فإن القتل أكبر الكبائر بعد الشرك، وكأنه لم يكن في ناحيتهم تلك غير جب واحد فعرفه فقال: {وألقوه} وكأنه كان فيه ماء ومكان يمكن الاستقرار فيه ولا ماء به، فأراده بقوله: {في غيابت الجب} أي غوره الغائب عن الأعين، فإن ذلك كافٍ في المقصود، وإنكم إن تفعلوا {يلتقطْهُ بعض السيارة} جمع سيار، وهو المبالغ في السير، هذا {إن كنتم} ولا بد {فاعلين} ما أردتم من تغييبه عن أبيه ليخلو لكم وجهه؛ والجب: البئر التي لم تطو، لأنه قطع عنها ترابها حتى بلغ الماء...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{قال قائل منهم} أبهمه القرآن لأن تعيينه بتسميته لا فائدة منها في عبرة ولا حكمة، وإنما الفائدة في وصفه بأنه منهم، وهي أنهم لم يجمعوا على جناية قتله... {لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب} الجب: البئر غير المطوية، أي غير المبنية من داخلها بالحجارة... وغيابته (بالفتح) ما يغيب عن رؤية البصر من قعره أو حفرة بجانبه تكون فوق سطح الماء يدخلها من يدلي فيه لإخراج شيء وقع فيه أو إصلاح خلل عرض له، وعلم من التعريف أنه جب معروف كان هنالك حيث يرعون، وجواب ألقوه. {يلتقطه بعض السيارة} وهم جماعة المسافرين الذين يسيرون في الأرض يقطعون الأرض من مكان إلى آخر لأجل التجارة فيأخذوه إلى حيث ساروا من الأقطار البعيدة فيتم لكم الشق الثاني مما اقترحتم وهو إبعاده عن أبيه {إن كنتم فاعلين} ما هو الصواب المقصود لكم بالذات فهذا هو الصواب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولكن ضميرا واحدا فيهم، يرتعش لهول ما هم مقدمون عليه. فيقترح حلا يريحهم من يوسف، ويخلي لهم وجه أبيهم، ولكنه لا يقتل يوسف، ولا يلقيه في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك. إنما يلقيه في الجب على طريق القوافل، حيث يرجح أن تعثر عليه إحدى القوافل فتنقذه وتذهب به بعيدا: (قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف، وألقوه في غيابة الجب، يلتقطه بعض السيارة. إن كنتم فاعلين).. ونحس من قوله: (إن كنتم فاعلين).. روح التشكيك والتثبيط. كأنه يشككهم في أنهم مصرون على إبقاع الأذى بيوسف. وهو أسلوب من أساليب التثبيط عن الفعل، واضح فيه عدم الارتياح للتنفيذ. ولكن هذا كان أقل ما يشفي حقدهم؛ ولم يكونوا على استعداد للتراجع فما اعتزموه.. نفهم هذا من المشهد التالي في السياق...

.