المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

37- وأحس آدم هو وزوجته بخطئهما وظلمهما لأنفسهما ، فألهم الله تعالى آدم كلمات يقولها للتوبة والاستغفار ، فقالها ، فتقبَّل الله منه وغفر له لأنه كثير القبول للتوبة ، وهو الرحيم بعباده الضعفاء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

ثم حكى القرآن أن آدم قد بادر بطلب العفو والمغفرة من ربه فقال : { فتلقى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم } .

التلقي في الأصل : التعرض للقاء ، ثم استعمل بمعنى أخذ الشيء وقبوله ، تقول : تلقيت رسالة من فلان . أي أخذتها منه وقبلتها .

والكلمات : جمع كلمة ، وهي اللفظة الموضوعة لمعنى ، وأرجح ما قيل في تعيين هذه الكلمات ، ما أشار إليه القرآن في سورة الأعراف بقوله :

{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } والتوبة في أصل اللغة معناها : الرجوع ، وإذا عديت بعن كان معناها الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وإذا عديت بعلى - كما في هذه الآية - كان معناها قبول التوبة ، فالعبد يتوب عن المعصية ، والله يتوب على العبد أي : يقبل توبته .

وجملة { إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم } واردة مورد التعليل لقوله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } .

والتواب وصف له - تعالى - من تاب ، أي : قبل التوبة ، وجاء التعبير بصيغة فعّال : للإِشعار بأنه كثير القبول للتوبة من عباده ، وليدل على أنه يقبل توبة العبد وإن وقعت بعد ذنب يرتكبه ويتوب منه ثم يعود إليه بعد التوبة ثم يتوب بعد العودة إليه توبة صادقة نصوحاً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

30

ونهض آدم من عثرته ، بما ركب في فطرته ، وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها .

( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم ) . .

وتمت كلمة الله الأخيرة ، وعهده الدائم مع آدم وذريته . عهد الاستخلاف في هذه الأرض ، وشرط الفلاح فيها أو البوار .

/خ39

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

قيل : إن هذه{[1607]} الكلمات مفسرة بقوله تعالى : { قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] روي هذا عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب القُرَظي ، وخالد بن مَعْدان ، وعطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن رجل من بني تميم ، قال : أتيت ابن عباس ، فسألته : [ قلت ]{[1608]} : ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه ؟ قال : عُلم [ آدم ]{[1609]} شَأنَ الحج .

وقال سفيان الثوري ، عن عبد العزيز بن{[1610]} رُفَيع ، أخبرني من سمع عبيد بن عُمَير ، وفي رواية : [ قال ]{[1611]} : أخبرني مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، أنه قال : قال آدم : يا رب ، خطيئتي التي أخطأت شيء كتبتُه علي قبل أن تخلقني ، أو شيء ابتدعته من قبل نفسي ؟ قال : بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك . قال : فكما كتبته علي فاغفر{[1612]} لي . قال : فذلك قوله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ }

وقال السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : فتلقى آدم من ربه كلمات ، قال : قال آدم ، عليه السلام : يا رب ، ألم تخلقني بيدك ؟ قيل{[1613]} له : بلى . ونفخت في من روحك ؟ قيل{[1614]} له : بلى . وعَطستُ فقلتَ : يرحمك الله ، وسبقت رحمتُك غَضبَك ؟ قيل{[1615]} له : بلى ، وكتبت عليّ أن أعمل هذا ؟ قيل{[1616]} له : بلى . قال : أفرأيت إن تبتُ هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال : نعم .

وهكذا رواه العوفي ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن مَعْبَد ، عن ابن عباس ، بنحوه . ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه{[1617]} وهكذا فسره السدي وعطية العَوْفي .

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا شبيهًا بهذا فقال : حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال آدم ، عليه السلام : أرأيت يا رب إن تبتُ ورجعتُ ، أعائدي إلى الجنة ؟ قال : نعم . فذلك قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ }{[1618]} .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } قال : إن آدم لما أصاب الخطيئة قال : يا رب ، أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ قال الله : إذن أرجعك إلى الجنة فهي من الكلمات . ومن الكلمات أيضا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أنه كان يقول في قول الله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } قال : الكلمات : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فارحمني ، إنك{[1619]} خير الراحمين . اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فتب علي ، إنك أنت التواب الرحيم .

وقوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } أي : إنه يتوب على من تاب إليه وأناب ، كقوله : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [ التوبة : 104 ] وقوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ النساء : 11 ] ، وقوله : { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } [ الفرقان : 71 ] وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى يغفر الذنوب ويتوب على من يتوب وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده ، لا إله إلا هو التواب الرحيم .

وذكرنا في المسند الكبير من طريق سليمان بن سليم عن ابن بريدة وهو سليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، ثم قال : اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ، وتعلم ما عندي فاغفر ذنوبي ، أسألك إيمانا يباشر قلبي ، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي . قال فأوحى الله إليه إنك قد دعوتني بدعاء أستجيب لك فيه ولمن يدعوني به ، وفرجت همومه وغمومه ، ونزعت فقره من بين عينيه ، وأجرت له من وراء كل تاجر زينة الدنيا وهي كلمات عهد وإن لم يزدها " رواه الطبراني في معجمه الكبير{[1620]} .


[1607]:في جـ، ط: "هؤلاء.
[1608]:زيادة من طـ، ب، و.
[1609]:زيادة من جـ.
[1610]:في جـ: "عن".
[1611]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1612]:في جـ، ب: "فاغفره".
[1613]:في جـ: "قال".
[1614]:في جـ: "قال".
[1615]:في جـ: "قال".
[1616]:في جـ: "قال".
[1617]:المستدرك (2/545).
[1618]:تفسير ابن أبي حاتم (1/135).
[1619]:في جـ: "فاغفر لي أنت".
[1620]:جامع المسانيد والسنن برقم (742) ولم أقع عليه في المطبوع من المعجم الكبير.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ }

قال أبو جعفر : أما تأويل قوله : فَتَلَقّى آدَمُ فقيل إنه أخذ وقبل ، وأصله التفعل من اللقاء كما يتلقى الرجل الرجل يستقبله عند قدومه من غيبة أو سفر ، فكذلك ذلك في قوله : فَتَلَقّى كأنه استقبله فتلقاه بالقبول ، حين أوحى إليه ، أو أخبر به . فمعنى ذلك إذا : فلقّى الله آدمَ كلمات توبة فتلقاها آدم من ربه وأخذها عنه تائبا فتاب الله عليه بقيله إياها وقبوله إياها من ربه . كما :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ الآية ، قال : لقاهما هذه الآية : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .

وقد قرأ بعضهم : «فَتَلَقّى آدَمَ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٌ » فجعل الكلمات هي المتلقية آدم . وذلك وإن كان من وجهة العربية جائزا إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق وما لقيه فقد لقيه ، فصار للمتكلم أن يوجه الفعْل إلى أيهما شاء ويخرج من الفعل أيهما أحب ، فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع «آدم » على أنه المتلقي الكلمات لإجماع الحجة من القراء وأهل التأويل من علماء السلف والخلف على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات ، وغير جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة بقول من يجوز عليه السهو والخطأ .

واختلف أهل التأويل في أعيان الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ، فقال بعضهم بما :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ قال : أي ربّ ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : أي ربّ ألم تنفخ فيّ من روحك ؟ قال : بلى ، قال : أي ربّ ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى ، أي ربّ ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى ، قال : أرأيت إن أنا تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم . قال : فهو قوله : فَتَلَقّى آدمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ .

وحدثني عليّ بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نحوه .

وحدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ قال : إن آدم قال لربه إذ عصاه ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ فقال له ربه : إني راجعك إلى الجنة .

وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : فَتَلَقّى آدَمُ منْ رَبّهِ كَلِماتٍ ذكر لنا أنه قال : يا ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ قال : إني إذا راجعك إلى الجنة . قال : وقال الحسن إنهما قالا : رَبّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلماتٍ قال : إن آدم لما أصاب الخطيئة ، قال : يا ربّ أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ فقال الله : إذا أرجعك إلى الجنة . فهي من الكلمات . ومن الكلمات أيضا : رَبّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الخَاسِرِينَ .

وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ قال : ربّ ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له : بلى ، قال : ونفخت فيّ من روحك ؟ قيل له : بلى ، قال : وسبقت رحمتك غصبك ؟ قيل له : بلى ، قال : ربّ هل كنت كتبت هذا عليّ ؟ قيل له : نعم ، قال : ربّ إن تبت وأصلحت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قيل له : نعم . قال الله تعالى : ثُمّ اجْتَباهُ رَبهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .

وقال آخرون بما :

حدثنا به محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : حدثني من سمع عبيد بن عمير ، يقول : قال آدم : يا ربّ خطيئتي التي أخطأتها أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني ، أو شيء ابتدعته من قبل نفسي ؟ قال : بلى شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك . قال : فكما كتبته عليّ فاغفره لي قال : فهو قول الله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كلِماتٍ .

وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد بن عمير بمثله .

وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا وكيع بن الجرّاح ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عمن سمع عبيد بن عمير يقول : قال آدم ، فذكر نحوه .

وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد الله بن عمير بنحوه .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد العزيز ، عن عبيد بن عمير بمثله .

وقال آخرون بما :

حدثني به أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن شريك ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن حميد بن نبهان ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية أنه قال : قوله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ فَتاب عَلَيْهِ قال آدم : اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك ، تب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم .

وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : أنبأنا أبو زهير ، وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : أخبرنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وقيس جميعا عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ قال قوله : رَبّنا ظَلَمْنا أنْفُسنَا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا حتى فرغ منها .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثني شبل ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول في قول الله : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ الكلمات : اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين . اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين . اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربّ إني ظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم .

وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ قال : هو قوله : ربنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لمْ تَغفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا الآية .

وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ قال : أي ربّ أتتوب عليّ إن تبت ؟ قال : نعم فتاب آدم ، فتاب عليه ربه .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فَتَلَقّى آدمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ قال : هو قوله : ربّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وإن لمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الخَاسِرِينَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : هو قوله : رَبّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ .

وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه وإن كانت مختلفة الألفاظ ، فإن معانيها متفقة في أن الله جل ثناؤه لقّى آدم كلمات ، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن وتاب بقيله إياهن وعمله بهن إلى الله من خطيئته ، معترفا بذنبه ، متنصلاً إلى ربه من خطيئته ، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره . فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه وندمه على سالف الذنب منه .

والذي يدلّ عليه كتاب الله أن الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه هنّ الكلمات التي أخبر الله عنه أنه قالها متنصلاً بقيلها إلى ربه معترفا بذنبه ، وهو قوله : رَبّنا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكونَن مِنَ الخَاسِرِينَ وليس ما قاله من خالف قولنا هذا من الأقوال التي حكيناها بمدفوع قوله ، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها فيجوز لنا إضافته إلى آدم ، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه .

وهذا الخبر الذي أخبر الله عن آدم من قيله الذي لقاه إياه فقاله تائبا إليه من خطيئته ، تعريف منه جل ذكره جميع المخاطبين بكتابه كيفية التوبة إليه من الذنوب ، وتنبيه للمخاطبين بقوله : كَيْفَ تَكْفُرونَ باللّهِ وكُنْتُمْ أَمْوَاتا فأحْياكُمْ على موضع التوبة مما هم عليه من الكفر بالله ، وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته مع تذكيره إياهم من السالف إليهم من النعم التي خصّ بها أباهم آدم وغيره من آبائهم .

القول في تأويل قوله تعالى : فَتابَ عَلَيْهِ .

قال أبو جعفر : وقوله : فَتابَ عَلَيْهِ يعني على آدم ، والهاء التي في «عليه » عائدة على «آدم » . وقوله : فَتابَ عَلَيْهِ يعني رزقه التوبة من خطيئته . والتوبة معناها الإنابة إلى الله والأوبة إلى طاعته مما يكره من معصيته .

قال أبو جعفر وتأويل قوله : إنّهُ هُوَ التَوّابُ الرّحِيمُ أن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه من عباده المذنبين من ذنوبه التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه .

وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربه : إنابته إلى طاعته ، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيما مما يكرهه ربه ، فكذلك توبة الله على عبده هو أن يرزقه ذلك ، ويتوب من غضبه عليه إلى الرضا عنه ، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه .

وأما قوله : الرّحِيمُ فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة ، ورحمته إياه إقالة عثرته وصفحه عن عقوبة جرمه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

{ فتلقى آدم من ربه كلمات } استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها . وقرأ ابن كثير بنصب { آدم } ورفع الكلمات على أنها استقبلته وبلغته وهي قوله تعالى : { ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية ، وقيل : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : يا رب ألم تخلقني بيدك ، قال : بلى ، قال : يا رب ألم تنفخ في الروح من روحك ، قال : بلى ، قال : يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك ، قال بلى ، قال : ألم تسكني جنتك ، قال : بلى ، قال : يا رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال : نعم . وأصل الكلمة : الكلم ، وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر كالكلام والجراحة والحركة .

{ فتاب عليه } رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة ، وإنما رتبه بالفاء على تلقي الكلمات لتضمنه معنى التوبة : وهو الاعتراف بالذنب والندم عليه والعزم على أن لا يعود إليه واكتفى بذكر آدم لأن حواء كانت تبعا له في الحكم ولذلك طوي ذكر النساء في أكثر القرآن والسنن .

{ إنه هو التواب } الرجاع على عباده بالمغفرة ، أو الذي يكثر إعانتهم على التوبة ، وأصل التوبة : الرجوع ، فإذا وصف بها العبد كان رجوعا عن المعصية ، وإذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة .

{ الرحيم } المبالغ في الرحمة ، وفي الجمع بين الوصفين ، وعد للتائب بالإحسان مع العفو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 37 )

المعنى : فقال الكلمات فتاب الله عليه عند ذلك ، و { آدمُ } رفع ب «تلقى » ، و { كلمات } نصب بها ، والتلقي من آدم هو الإقبال عليها والقبول لها والفهم .

وحكى مكي قولاً : أنه أُلهِمَهاها فانتفع بها .

وقرأ ابن كثير : «آدمَ » بالنصب . «من ربه كلماتٌ » بالرفع ، فالتلقي من الكلمات هو نيل آدم بسببها رحمة الله وتوبته .

واختلف المتأولون في الكلمات ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هي قوله تعالى : { ربنا ظلمنا أنفسنا }( {[507]} ) الآية [ الأعراف : 23 ] . وقال مجاهد : «هي أن آدم قال : سبحانك اللهم لا إله أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم » .

وقال ابن عباس : «هي أن آدم قال : أي رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ألم تنفخ فيّ من روحك ؟ قال بلى ، أي رب ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبت وأطعت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم( {[508]} ) » .

قال عبيد بن عمير : «إن آدم قال : أي رب أرأيت ما عصيتك فيه أشيء كتبته على أم شيء ابتدعته ؟ قال : بل شيء كتبته عليك . قال : أي رب كما كتبته علي فاغفر لي » .

وقال قتادة : «الكلمات هي أن آدم قال : أي رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ قال : إذاً أدخلك الجنة » .

وقالت طائفة :إن آدم رأى مكتوبا على ساق العرش " محمد رسول الله " ، فتشفع بذلك فهي الكلمات .

وقالت طائفة : «إن المراد بالكلمات ندمه واستغفاره( {[509]} ) وحزنه ، وسماها كلمات مجازاً لما هي في خلقها صادرة عن كلمات ، وهي كن في كل واحدة منهن ، وهذا قول يقتضي أن آدم لم يقل شيئاً إلا الاستغفار المعهود » .

وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب ، يقول ما قال أبواه ، { ربنا ظلمنا أنفسنا } . وما قال موسى : { رب إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي }( {[510]} ) [ القصص : 16 ] . وما قال يونس : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }( {[511]} ) [ الأنبياء : 87 ] .

و { تاب عليه } معناه رجع به( {[512]} ) ، والتوبة من الله تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق ، والتوبة من العبد الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف( {[513]} ) وإنما خص الله تعالى آدم بالذكر هنا في التلقي والتوبة ، وحواء مشاركة له في ذلك بإجماع لأنه المخاطب في أول القصة بقوله : { اسكن أنت وزوجك الجنة } فلذلك كملت القصة بذكره وحده ، وأيضاً فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله الستر لها ، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله : { وعصى آدم ربه فغوى }( {[514]} ) [ طه : 121 ] .

وروي أن الله تعالى تاب على آدم في يوم عاشوراء وكنية آدم أبو محمد ، وقيل أبو البشر .

وقرأ الجمهور : «إنه » بكسر الألف على القطع .

وقرأ ابن أبي عقرب( {[515]} ) : «أنه » بفتح الهمزة على معنى لأنه ، وبنية { التواب } للمبالغة والتكثير ، وفي قوله تعالى : { إنه هو التواب الرحيم } تأكيد فائدته أن التوبة على العبد إنما هي نعمة من الله ، لا من العبد وحده لئلا يعجب التائب ، بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه .


[507]:- هذا أولى وأحسن ما تفسر به الكلمات لقوله تعالى: (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين، قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
[508]:- رواه أبو عبد الله الحاكم في "فضائل الأنبياء" موقوفا.
[509]:- الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالفعل، والعزم على عدم العود وتلك شروط التوبة عند أهل السنة.
[510]:- من الآية 16 من سورة القصص.
[511]:- من الآية 87 من سورة الأنبياء.
[512]:- يقال: تاب إلى الله: رجع عن المعصية فهو تائب وتواب وتاب الله عليه: غفر له، ورجع عليه بفضله، فهو تواب على عباده، فمعنى قوله تعالى: (وتاب عليه): تفضل عليه بالتوبة والقبول.
[513]:- أي مع العزم على الترك فيما يستقبل.
[514]:- وقد طوي ذكر النساء المؤمنات في أكثر القرآن لأنهن تبع للرجال في الأحكام المشتركة.
[515]:- هو أبو نوفل العرنجي بفتح المهملتين وسكون النون، واسمه عمرو بن مسلم من التابعين.