لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

قوله عز وجل { فتلقى آدم } أي فتلقن ، والتلقي هو قبول عن فطنة وفهم . وقيل هو التعلم { من ربه كلمات } أي كانت سبب توبته . وقيل إن تلك الكلمات هي قوله ربنا ظلمنا أنفسنا الآية وقيل هي لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين ، وقيل قال آدم : يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته عليّ قبل أن تخلقني ؟ قال : بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك . قال : يا رب فكما قدرته علي فاغفر لي . وقيل : إن الله تعالى أمر آدم بالحج وعلمه أركانه فطاف بالبيت سبعاً وهو يومئذٍ ربوة حمراء ثم صلّى ركعتين ثم استقبل البيت وقال اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي ، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قد غفرت لك ذنوبك . وقيل : إن آدم لما أهبط إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى . وقيل هي ثلاثة أشياء : الحياء والدعاء والبكاء . قال ابن عباس : بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً . وقيل : لو أن دموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أصاب الخطيئة لو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة { فتاب عليه } أي فتجاوز عنه وغفر له . وأصل التوبة من تاب يتوب إذا رجع فكأن التائب رجع عن ذلك الذنب الذي كان عليه ، ولا تتحقق التوبة منه إلاّ بثلاثة أمور . علم وحال وعمل . أما العلم فهو أن يعلم العبد ضرر الذنب وأنه حجاب عن الله تعالى ، فإذا حصل هذا العلم تألم القلب فعند ذلك يحصل الندم وهو الحال فيترك العبد الذنب ، ويعزم في المستقبل أن لا يعود إليه وهو العمل فإذا تحققت هذه الثلاثة الأمور وحصلت التوبة ، وسيأتي بسط هذا عند قوله تعالى : { توبوا إلى الله توبة نصوحاً } في سورة التحريم إن شاء الله تعالى { إنه هو التواب } أي الرجاع على عباده بقبول التوبة . والتواب في وصف الله سبحانه وتعالى : المبالغ في قبول توبة عباده { الرحيم } أي بخلقه وصف سبحانه وتعالى نفسه مع كونه بأنه رحيم .