الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

{ فَتَلَقَّى } فلُقّن . { ءَادَمُ } حفّظ حين لقّن ، وأُفهم حين ألْهِمَ .

وقرأ العامّة : آدمُ برفع الميم ، كلمات بخفض التّاء .

وقرأ ابن كثير : بنصب الميم ، بمعنى جاءت الكلمات لآدم عليه السلام . { مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ } كانت سبب قبول توبته ، واختلفوا في تلك الكلمات :

قال ابن عباس : هي أنّ آدم قال : يا ربّ ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : ألم تنفخ فيّ من روحك ؟ قال : بلى ، قال : ألم تسبق رحمتك بي غضبك ؟ قال : بلى ، قال : ألم تسكنّي جنتك ؟ قال : بلى ، قال : فلِمَ أخرجتني منها ؟ قال : بشؤم معصيتك ، قال : أي ربّ أرأيت لو تبت [ وأصلحت ] أراجعي أنت الى الجنة ؟ قال : بلى .

قال : فهو الكلمات .

قال عبيد بن عمير : هو أنّ آدم قال : يا ربّ أرأيت ما أتيت ، أشيء ابتدعته على نفسي أم شيء قدّرته عليَّ قبل أن تخلقني ؟ قال : بل شيٌ قدّرته عليك قبل أن أخلقك ، قال : يا ربّ كما قدّرته عليَّ فأغفر لي .

همام بن منبّه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجّ آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنّة الى الأرض ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي أعطاك الله علم كلّ شيء واصطفاك على الناس برسالته ؟ قال : نعم . قال : أتلومني على أمر كان قد كتب عليّ أن أفعله من قبل أن أخلق . قال : فحجّ آدم موسى " .

وقال محمد بن كعب القرظي : هي قوله : لا اله الاّ أنت سبحانك وبحمدك قد عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم ، لا اله الاّ أنت سبحانك وبحمدك قد عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم ، لا اله الاّ أنت سبحانك وبحمدك ربّ عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني انّك أنت أرحم الراحمين .

عكرمة عن سعيد بن جبير في قوله : { فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ } قالا : قوله : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] ، وكذلك قاله الحسن ومجاهد .

وقال بعضهم : نظر آدم عليه السلام الى العرش فرأى على ساقه مكتوباً لا اله الاّ الله محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق فقال : يا ربّ أسألك بحقّ محمد أنْ تغفر لي فغفر له .

وقيل : هذا التأويل ما روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرّج بيّ الى السماء رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق " .

وقيل : هي ثلاثة أشياء : الخوف ، الرجاء ، البكاء .

أبو بكر الهذلي عن شهر بن حوشب قال : بلغني أنّ آدم لما أهبط الى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه حياءاً من الله تعالى .

وقال ابن عباس : بكاء آدم وحوّاء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً ، ولم يقرب آدم [ حواء ] مائة سنة . { فَتَابَ عَلَيْهِ } فتجاوز عنه { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ } يقبل توبة عباده { الرَّحِيمُ } بخلقه .