المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

22- ولا يَحّلِف الصالحون وذوو اليسار منكم علي أن يمنعوا إحسانهم ممن يستحقونه من الأقارب والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وغيرهم لسبب من الأسباب الشخصية ، كإساءتهم إليهم ، ولكن ينبغي أن يسامحوهم ويعرضوا عن مجازاتهم ، وإذا كنتم تحبون أن يعفو الله عن سيئاتكم فافعلوا مع المسيء إليكم مثل ما تحبون أن يفعل بكم ربكم ، وتأدبوا بأدبه فهو واسع المغفرة والرحمة{[147]} .


[147]:نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر الصديق أن يمنع معونته عن قريبه مسطح بن أثاثة لخوضه في حديث الإفك حول السيدة عائشة رضي الله عنها.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

ثم حض - عز وجل - أصحاب النفوس النقية الطاهرة ، على المواظبة على ما تعودوه من سخاء وسماحة ، فقال : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

وقد صح أن هذه الآية الكريمة نزلت فى شأن أبى بكر - رضى الله عنه - عندما أقسم أن لا يعطى مسطح بن أثاثة شيئا من النفقة أو الصدقة .

وكان مسطح قريبا لأبى بكر . وكان من الفقراء الذين تعهد - أبو بكر رضى الله عنه - بالإنفاق عليهم لحاجتهم وهجرتهم وقرابتهم منه .

وقوله : { وَلاَ يَأْتَلِ } أى : ولا يحلف . يقال : آلى فلان وائتلى . إذا حلف ومنه قوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ . . . } أى : يحلفون .

أى : ولا يحلف " أولوا الفضل منكم والسعة " أى أصحاب الزيادة منكم فى قوة الدين . وفى سعة المال " أن يؤتوا أولى القربى . . " أى : على أن لا يعطوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله ، شيئا من أموالهم .

فالكلام فى قوله : " أن يؤتوا " على تقدير حرف الجر ، أى : لا يحلفوا على أن لا يؤتوا ، وحذف حرف الجر قبل المصدر المنسبك من أن وصلتهما مطرد ، ومفعول " يؤتوا " الثانى محذوف . أى : أن يؤتوا أولى القرى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله ، النفقة التى تعودوا أن يقدموها لهم .

وقوله - تعالى - : { وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا } تحريض على العفو والصفح .

والعفو معناه : التجاوز عن خطأ المخطىء ونسيانه ، مأخوذ من عفت الريح الأثر ، إذا طمسته وأزالته .

والصفح : مقابلة الإساءة بالإحسان ، فهو أعلى درجة من العفو .

أى : قابلوا - أيها المؤمنون - إساءة المسىء بنسيانها ، وبمقابلتها بالإحسان .

وقوله : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } أى : ألا تحبون - أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم ذنوبكم ، بسبب عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم ؟

فالجملة الكريمة ترغيب فى العفو والصفح بأبلغ أسلوب ، وقد صح أن أبا بكر - رضى الله عنه - لما سمع الآية قال : بلى والله يا ربنا ، إنا لنحب أن تغفر لنا ، وأعاد إلى مسطح نفقته ، وفى رواية : أنه - رضى الله عنه - ضاعف لمسطح نفقته .

قال الآلوسى : " وفى الآية من الحث على مكارم الأخلاق ما فيها . واستدل بها على فضل الصديق - رضى الله عنه - لأنه داخل فى أولى الفضل قطعا ، لأنه وحده أو مع جماعة سبب النزول ، ولا يضر فى ذلك الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر . . . " .

ثم ختم - سبحانه - الأية الكريمة بما يرفع من شأن العفو والصفح فقال : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أى : والله - تعالى - كثيرة المغفرة ، وواسع الرحمة بعباده ، فكونوا - أيها المؤمنون - أصحاب عفو وصفح عمن أساء إليكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

وعلى ذكر التزكية والطهارة تجيء الدعوة إلى الصفح والمغفرة بين بعض المؤمنين وبعض - كما يرجون غفران الله لما يرتكبونه من أخطاء وذنوب - :

ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ؛ وليعفوا وليصفحوا . ألا تحبون أن يغفر الله لكم ? والله غفور رحيم . .

نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - بعد نزول القرآن ببراءة الصديقة . وقد عرف أنه مسطح بن أثاثة كان ممن خاضوا فيه . وهو قريبه . وهو من فقراء المهاجرين . وكان أبو بكر - رضي الله عنه - ينفق عليه . فآلى على نفسه لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا .

نزلت هذه الآية تذكر أبا بكر ، وتذكر المؤمنين ، بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم . فليأخذوا أنفسهم - بعضهم مع بعض - بهذا الذي يحبونه ، ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه ، إن كانوا قد أخطأوا وأساءوا . .

وهنا نطلع على أفق عال من آفاق النفوس الزكية ، التي تطهرت بنور الله . أفق يشرق في نفس أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أبي بكر الذي مسه حديث الإفك في أعماق قلبه ، والذي احتمل مرارة الاتهام لبيته وعرضه . فما يكاد يسمع دعوة ربه إلى العفو ؛ وما يكاد يلمس وجدانه ذلك السؤال الموحي : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ? )حتى يرتفع على الآلام ، ويرتفع على مشاعر الإنسان ، ويرتفع على منطق البيئة . وحتى تشف روحه وترف وتشرق بنور الله . فإذا هو يلبي داعي الله في طمأنينة وصدق يقول : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي . ويعيد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، ويحلف : والله لا أنزعها منه أبدا . ذلك في مقابل ما حلف : والله لا أنفعه بنافعة أبدا .

بذلك يمسح الله على آلام ذلك القلب الكبير ، ويغسله من أوضار المعركة ، ليبقى أبدا نظيفا طاهرا زكيا مشرقا بالنور . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

يقول تعالى : { وَلا يَأْتَلِ } من الأليَّة ، [ وهي : الحلف ]{[20936]} أي : لا يحلف { أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ } أي : الطَّول والصدقة والإحسان { وَالسَّعَة } أي : الجِدَةَ { أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي : لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين . وهذه{[20937]} في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام ؛ ولهذا قال : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا } أي : عما تقدم منهم من الإساءة والأذى ، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم .

وهذه الآية نزلت في الصدِّيق ، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ، كما تقدم في الحديث . فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة ، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك ، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه{[20938]} - شَرَع تبارك وتعالى ، وله الفضل والمنة ، يعطفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه ، وهو مِسْطَح بن أثاثة ، فإنه كان ابن خالة الصديق ، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين في سبيل الله ، وقد وَلَق وَلْقَة{[20939]} تاب الله عليه منها ، وضُرب الحد عليها . وكان الصديق ، رضي الله عنه ، معروفًا بالمعروف ، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب . فلما نزلت هذه الآية إلى قوله : { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر{[20940]} عن المذنب إليك نغفر{[20941]} لك ، وكما تصفح نصفح{[20942]} عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا . ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدًا ، في مقابلة ما كان قال : والله لا{[20943]} أنفعه بنافعة أبدًا ، فلهذا كان الصدّيق هو الصديق [ رضي الله عنه وعن بنته ]{[20944]} .


[20936]:- زيادة من ف ، أ.
[20937]:- في ف : "وهذا".
[20938]:- في ف ، أ : "من أقيم الحد عليه".
[20939]:- في ف : "زلق زلقة".
[20940]:- في ف : "يغفر".
[20941]:- في ف : "يغفر".
[20942]:- في ف : "يصفح".
[20943]:- في ف : "ما".
[20944]:- زيادة من ف ، أ.