إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

{ وَلاَ يَأْتَلِ } أي لا يحلفْ ، افتعالٌ من الأَليّة وقيل : لا يُقصِّرُ من الأَلْوِ . والأولُ هو الأظهرُ لنزولِه في شأنِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حينَ حلفَ أنْ لا ينفقَ على مِسْطحٍ بعدُ وكانَ ينفقُ عليه لكونِه ابنَ خالتِه وكانَ من فُقراءِ المُهاجرينَ . ويَعضده قراءةُ مَن قرأَ ولا يألُ { أُوْلُو الفضل مِنكُمْ } في الدِّين وكفَى به دليلاً على فضلِ الصِّدِّيقِ رضي الله تعالى عنه { والسعة } في المالِ { أَن يُؤْتُواْ } أيْ على أنْ لا يُؤتوا . وقرئ بتاءِ الخطابِ على الالتفاتِ { أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين في سَبِيلِ الله } صفاتٌ لموصوفٍ واحدٍ جِيء بها بطريقِ العطفِ تنبيهاً على أنَّ كلاًّ منها علَّة مستقلَّة لاستحقاقِه الأبناءِ ، وقيل : لموصوفاتٍ أقيمتْ هي مقامَها وحُذف المفعولُ الثَّاني لغايةِ ظهورِه أي على أنْ لا يُؤتوهم شيئاً { وَلْيَعْفُواْ } ما فَرَطَ منهم { وَلْيَصْفَحُواْ } بالإغضاءِ عنه . وقد قرئ الأمرانِ بتاءِ الخطابِ على وفقِ قولِه تعالى : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } أي بمقابلة عفوِكم وصفحِكم وإحسانِكم إلى مَن أساءَ إليكُم { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } مبالغٌ في المغفرة والرَّحمةِ مع كمالِ قُدرتِه على المُؤاخذة وكثرةِ ذنوبِ العبادِ الدَّاعيةِ إليها . وفيهِ ترغيبٌ عظيمٌ في العفو ووعدٌ كريمٌ بمقابلتِه كأنَّه قيل : ألا تُحبُّون أنْ يغفرَ الله لكُم فهذا من موجباتِه . رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قرأَه على أبي بكرٍ رضي الله عنه فقالَ : بل أحبُّ أنْ يغفرَ الله لي فرجع إلى مسطحٍ نفقتَه وقال : والله لا أنزعها أبداً .