تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

11

22 - وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .

لا يأتل : لا يحلف .

الفضل : الزيادة في الدين .

السعة : الغنا .

أي : ولا يحلف من كان ذا فضل منكم وسعة – أيها المؤمنون بالله – ألا يعطوا ذوى قرابتهم المساكين المهاجرين .

قال ابن كثير :

وهذا في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام ، ولهذا قال تعالى : وليعفوا وليصفحوا . أي : عما تقدم منهم في الإساءة والأذى ، وهذا من حلمه – تبارك وتعالى – وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم .

وهذه الآيات نزلت في الصديق – رضي الله عنه – حين حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة بعدما قال في عائشة ما قال ، فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة ، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ، وتاب الله على من تكلم من المؤمنين في ذلك ، وأقيم الحد على من أقيم عليه ، شرع – تبارك وتعالى ، وله الفضل والمنة – يعطف الصديق على قريبه ونسيبه ، وهو مسطح بن أثاثة ، فإنه كان ابن خالة الصديق .

وكان مسكينا لا مال له ، إلا ما ينفق عليه أبو بكر – رضي الله عنه – وكان من المهاجرين في سبيل الله ، وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها ، وضرب الحد عليها ، وكان الصديق – رضي الله عنه – معروفا بالمعروف ، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب ، فلما نزلت هذه الآية ، قال الصديق : بلى والله ، إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا . ثم أعاد إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله ، لا أنزعها منه أبدا .

فلهذا كان الصديق هو الصديق ، رضي الله عنه وعن بنته89 .

جاء في تفسير القرطبي ما يأتي :

قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى ، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ وقيل : أرجى آية في كتاب الله – عز وجل – قوله تعالى : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . ( الأحزاب : 47 ) .

وقد قال تعالى في آية أخرى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ . ( الشورى : 22 ) .

فشرح الفضل الكبير في هذه الآية ، وبشر به المؤمنين في تلك .

ومن آيات الرجاء قوله تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . ( الزمر : 53 ) .

وقوله تعالى : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ . . . ( الشورى : 19 ) .

وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل : ولسوف يعطيك ربك فترضى . ( الضحى : 5 ) .

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار90 .

في أعقاب الآية :

من حلف على يمين ثم رأى الخير في غيرها ، فهل عليه أن يكفر عن يمينه أم لا ؟

تقول طائفة من الفقهاء : إن رجوعه إلى الخير هو الكفارة عن يمينه ، فلا كفارة عليه غيرها ، واستدلوا بهذه الآية ؛ لأن الله تعالى وإن أمر فيها أبا بكر بالرجوع عن يمينه لم يوجب عليه الكفارة .

وتقول طائفة أخرى من الفقهاء : إن الله تعالى قد أنزل في كتابه حكما واضحا مطلقا عن الرجوع في اليمين ، وهو قوله تعالى : لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ . . . ( المائدة : 89 ) .

يقولون : إن هذا الحكم العام ما نسخته آية سورة النور ، ولا أدخلت فيه تغييرا بألفاظ واضحة ، فهو لا يزال ثابتا قائما إذ إن الله تعالى لم يذكر في قصة أبي بكر أمر الكفارة نفيا ولا إثباتا .

ويستشهدون بحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ؛ فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه )91 .