النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

قوله تعالى : { وَلاَ يَأتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ } وقرئ ولا يتأل وفي اختلاف القراءتين وجهان :

أحدهما : أن معناهما متقارب واحد وفيه وجهان :

أحدهما : أي لا يقتصر مأخوذ من قولهم لا ألوت أي لا قصرت{[2053]} ، قاله ابن بحر .

الثاني : لا يحلف مأخوذ من الألية وهي اليمين{[2054]} .

- والقول الثاني : معناهما مختلف فمعنى يأتل أي يألو أو يقصر ، ومعنى يتأل أي يحلف .

{ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي لا يحلفوا ألاّ يبروّا هؤلاء ، وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة فلما خاض في الإِفك ونشره حلف أبو بكر ألاّ يبره وكان ابن خالته فنهاه الله عن يمينه وندبه إلى بره مع إساءته . وهذا تأويل من حمل قوله :{ ولا يأتل } على ألية اليمين . فأمت تأويل من حملها على معنى لا يألو جهداً فالمنهي عنه فيها التوقف عن بر من أساء وأن نقابله بالتعطف والإِغضاء . فقال : { ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا } وفيها وجهان :

أحدهما : أن العفو عن الأفعال والصفح عن الأقوال .

الثاني : أن العفو ستر الذنب من غير مؤاخذة والصفح الإِغضاء عن المكروه .

ثم قال :{ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم } أي كما تحبون أن يغفر الله لكم ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمع أبو بكر هذا قال : بلى يا رب وعاد إلى برِّه وكفّر عن يمينه .


[2053]:صدر البيت: أن الحصين زلق زملق. وقبله: لما رأوا جيشا عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من السام ولق والزلق الزملق الذي ينزل قبل أن يجامع
[2054]:ومنه قوله تعالى: لا يألونكم خبالا.