بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

ثم قال عز وجل : { وَلاَ يَأْتَلِ } ، يعني : لا يحلف وهو يفتعل من الألية وهي اليمين . قرأ أبو جعفر المدني ، وزيد بن أسلم { وَلاَ يتأل } على معنى يتفعل ، ويقال : معناه ولا يدع أن ينفق ويتصدق ، وهو يتفعل من ألوت أني أصنع كذا ؛ ويقال : ما ألوت جهدي ، أي ما تركت طاقتي ؛ وذلك أن أبا بكر كان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره ، فلما تكلم بما تكلم به ، حلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق عليه ، فنزلت هذه الآية : { عَلِيمٌ وَلاَ يَأْتَلِ } .

{ أُوْلُو *** الفضل مِنكُمْ } في طاعة الله ، لأنه كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . { مِنكُمْ والسعة } يعني السعة في المال . وهذا من مناقب أبي بكر رضي الله عنه حيث سماه الله { أُوْلُو * الفضل } في الإسلام ؛ ويقال : { وَلاَ يَأْتَلِ } يعني : ولا يحلف { أُوْلُو *** الفضل مِنكُمْ } ، يعني : أولو الغنى والسعة في المال ، والأول أشبه لكي لا يكون حمل الكلام على التكرار . { أَن يُؤْتُواْ أولي القربى } ، يعني : لا يحلف أن لا يعطي ولا ينفق على { أُوْلِى القربى } ، يعني : على ذوي القربى وهو مسطح { والمساكين والمهاجرين فِى سَبِيلِ الله } ، وكان مسطح من فقراء المهاجرين ومن أقرباء أبي بكر .

{ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ } ، يقول : ليتركوا وليتجاوزوا . { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } ، فقال أبو بكر : أنا أحب أن يغفر الله لي ، فقد تجاوزت عن قرابتي ، ويقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : « أَلاَ تُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكَ » قال : نعم . فقرأ عليه هذه الآية ، وأمره بأن ينفق على مسطح . وفي الآية دليل على أن من حلف على أمر ، فرأى الحنث أفضل منه ، فله أن يحنث ويكفر عن يمينه ، ويكون له ثلاثة أجور : أحدها ائتماره بأمر الله تعالى ، والثاني أجر بره وذلك صلته في قرابته ، والثالث أجر التكفير . ثم قال تعالى : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، يعني : غفور لذنوبكم رحيم بالمؤمنين .