143- خلق الله من كل نوع من الأنعام ذكرا وأنثى ، فهي ثمانية أزواج خلق من الضأن زوجين ، ومن الماعز زوجين ، وقل يا محمد للمشركين منكراً عليهم تحريم ما حرموا من هذا : ما علة تحريم هذه الأزواج كما تزعمون ؟ أهي كونها ذكوراً ؟ ليس كذلك ، لأنكم تحلون الذكور أحياناً . أم هي كونها إناثاً ؟ ليس كذلك ، لأنكم تحلون الإناث أحياناً ، أم هي اشتمال الأرحام عليها . ليس كذلك لأنكم لا تحرمون الأجنة على الدوام . أخبروني بمستند صحيح يعتمد عليه ، إن كنتم صادقين فيما تزعمون من التحليل والتحريم .
ثم بين القرآن بعد ذلك بعض ما كان عليه الجاهليون من جهالات ، وناقشهم فيما أحلوه وحرموه مناقشة منطقية حكيمة فقال :
{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين } أى . من الضأن زوجين اثنين هما الكبش والنعجة ، { وَمِنَ المعز اثنين } أى . ومن المعز زوجين اثنين هما التيس والعنز .
ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبكتهم على جهلهم فقال { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين } .
أى : قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ وإلزامهم الحجة : أحرم الله الذكرين وحدهما من الضأن والمعز أم الأنثيين وحدهما ، أم الأجنة التى اشتملت عليها أرحام إناث الزوجين كليهما سواء أكانت تلك الأجنة ذكوراً أم إناثا ؟
وقوله : { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أى : أخبرونى بأمر معلوم من جهته - تعالى - جاءت به الأنبياء ، يدل على أنه - سبحانه - قد حرم شيئاً مما حرمتموه إن كنتم صادقين فى دعوى التحريم .
والأمر هنا للتعجيز لأنهم لا دليل عندهم من العقل أو النقل على صحة تحريمهم لبعض الأنعام دون بعض .
ثم يأخذ السياق في مواجهة دقيقة يتتبع بها مكامن الأوهام الجاهلية ، ليلقي عليها الضوء ، ويستعرضها واحدا واحدا ، وجزئية جزئية ؛ فيكشف فيها عن السخف الذي لا يمكن تعليله ولا الدفاع عنه ؛ والذي قد يخجل منه صاحبه نفسه ، حين يكشف له في النور ؛ وحين يرى أن لا سند له فيه من علم ولا هدى ولا كتاب منير :
( ثمانية أزواج : من الضأن اثنين ومن المعز اثنين . قل : آلذكرين حرم أم الأنثيين ؟ أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ؟ نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ! ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين . قل : آلذكرين حرم أم الأنثيين ؟ أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ؟ أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ؟ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ؟ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .
فهذه الأنعام التي يدور حولها الجدل ؛ والتي ذكر في الآية السابقة أن الله خلقها لهم ، هي ثمانية أزواج - وكل من الذكر والأنثى يطلق عليه لفظ زوج عندما يكون مع رفيقه - زوج من الضأن وزوج من المعز . فأي منها حرمه الله على أي من الناس ؟ أم إنه حرم أجنتها في البطون ؟
( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ) . .
فهذه الشئون لا يفتى فيها بالظن ، ولا يقضى فيها بالحدس ، ولا يشرع فيها بغير سلطان معلوم .
وهذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حَرّموا من الأنعام ، وجعلوها أجزاءً وأنواعًا : بحيرة ، وسائبة ، ووصيلة وحامًا ، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار ، فبين{[11281]} أنه تعالى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا . ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن ، وسواد وهو المعز ، ذكره وأنثاه ، وإلى إبل ذكورها وإناثها ، وبقر كذلك . وأنه تعالى لم يحرم شيئًا من ذلك ولا شيئًا من أولاده . بل كلها مخلوقة لبني آدم ، أكلا وركوبًا ، وحمولة ، وحلبا ، وغير ذلك من وجوه المنافع ، كما قال [ تعالى ]{[11282]} { وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } الآية [ الزمر : 6 ] .
وقوله : { أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ } رَدٌ عليهم في قولهم : { مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا }
وقوله : { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : أخبروني عن يقين : كيف حرم الله عليكم{[11283]} ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك ؟
وقال العَوْفي عن ابن عباس قوله : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } فهذه أربعة أزواج ، { وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ } يقول : لم أحرم شيئًا من ذلك { [ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ ] }
يعني : هل يشمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا ؟ ]{[11284]} { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يقول : كله حلال .
وقوله : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا } تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله ، من تحريم ما حرموه من ذلك ، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : لا أحد أظلم منه ، { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
وأول من دخل في هذه الآية : عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة ، فإنه أول من غير دين الأنبياء ، وأول من سيب السوائب ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي ، كما ثبت ذلك في الصحيح{[11285]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.