المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

3- هو الموجود قبل كل شيء ، والباقي بعد فناء كل شيء ، والظاهر في كل شيء ، فكل شيء له آية ، والباطن فلا تُدركه الأبصار ، وهو بكل شيء ظاهر أو باطن تام العلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

ثم ذكر - سبحانه - صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : { هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

أى : هو - سبحانه - الأول والسابق على جميع الموجودات ، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء . فهو موجود قبل كل شىء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته .

{ والآخر } أى : الباقى بعد هلاك وفناء جميع الموجودات ، كما قال - تعالى - : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } وأوثر لفظ { الآخر } على لفظ الباقى ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين .

وهو { الظاهر } أى : الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التى أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق ، وكل موجود لا بد له من موجد .

فلفظ { الظاهر } مشتق من الظهور الذى هو ضد الخفاء ، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه .

ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور ، بمعنى الغلبة والعلو على الغير ، كما فى قوله - تعالى - : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ . . } وعليه يكون المعنى : وهو الغالب العالى على كل شىء .

وهو { والباطن } من البطون بمعنى الخفاء والاستتار ، أى : وهو - سبحانه - المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار ، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول ، كما قال - تعالى - { لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف الخبير } ويصح أن يكون { الباطن } بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأمور يقال : فلان أبطن بهذا الأمر من غيره ، أى : أعلم بهذا الشىء من غيره .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى : وهو - سبحانه - عليم بكل ما فى هذا الكون ، لا تخفى عليه خافية من شئونه ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } قال ابن كثير : وهذه الآية هى المشار إليها فى حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية .

وقد اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا وقال البخارى : قال يحيى : الظاهر على كل شىء علما والباطن على كل شىء علما .

وروى الإمام مسلم - فى صحيحه - ، والإمام أحمد - فى مسنده - عن أبى هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو عند النوم فيقول : " اللهم فاطر السموات ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شىء ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، فالق الحب والنوى ، لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر كل شىء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شىء ، وأنت الآخر فليس بعدك شىء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شىء ، وأنت الباطن فليس دونك شىء . اقض عنا لادين ، وأغننا من الفقر . . " " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

3-4

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الأوّلُ وَالاَخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : هو الأوّل قبل كل شيء بغير حدّ والاَخر يقول : والاَخر بعد كل شيء بغير نهاية . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنه كان ولا شيء موجود سواه ، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها ، كما قال جلّ ثناؤه : كُلّ شَيْءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَهُ . وقوله : والظّاهِرُ يقول : وهو الظاهر عل كل شيء دونه ، وهو العالي فوق كل شيء ، فلا شيء أعلى منه والباطِنُ يقول : وهو الباطن جميع الأشياء ، فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ، والخبر الذي روي فيه :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الأوّلُ والاَخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه ، إذ ثار عليهم سحاب ، فقال : «هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنّها الرّقِيعَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، » قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها » ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؟ قال : «مَسِيرَةُ خَمْسٍ مِئَةِ سَنَةٍ » ، قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ ؟ » فقالوا مثل ذلك ، قال : «فَوْقَها سَماءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُما مَسِيرِةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ » ، قال : «هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلك ؟ » فقالوا مثل قولهم الأوّل ، قال : «فإنّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السّماءِ السّابِعَةِ مِثْلُ ما بَينَ السّماءَيْن » ، قال : هَلْ «تَدْرُونَ ما الّتِي تَحْتَكُمْ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم قال : «فإنّها الأرْضُ » ، قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَها ؟ » قالوا له مثل قولهم الأوّل ، قال : «فإنّ تَحْتَها أرْضا أُخْرَى ، وَبَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ » ، حتى عدّ سبع أرضين ، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة ، ثم قال : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ دُلّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأُخْرى لَهَبَطَ على اللّهِ » ، ثُمّ قرأ هُوَ الأوّلُ والاَخَرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وَهُوْ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

وقوله : وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول تعالى ذكره : وهو بكلّ شيء ذو علم ، لا يخفى عليه شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، إلا في كتاب مبين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

هو الأول السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها والآخر الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها أو هو الأول الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات أو الأول خارجا و الآخر ذهنا والظاهر والباطن الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين والمتوسطة للجمع بين المجموعين وهو بكل شيء عليم يستوي عنده الظاهر والخفي .