ثم بين - سبحانه - جانبا مما اقتضته فى تدبير أمور عباده فقال : { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } .
والبغى : تجاوز الحد فى كل شئ يقال : بغى الجرح ، إذا أظهر ما بداخله من دم أو غيره .
وبغى القوم ، إذا تجاوزوا حدودهم فى العدوان على غيرهم .
أى : ولو بسط الله - تعالى - الرزق لعباده ، بأن وسعه عليهم جميعا توسعة فوق حاجتهم ، { لَبَغَوْاْ فِي الأرض } أى : لتجاوزوا حدودهم ، ولتكبروا فيها ، ولطغوا وعتوا وتركوا الشكر لنا ، وقالوا ما قاله قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي } وقوله : { ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } بيان لما اقتضته حكمته - تعالى - أى : أن حكمته - تعالى - قد اقتضت عدم التوسعة فى الرزق لجميع عباده ، لأن هذه التوسعة تحملهم على التكبر والغرور والبطر ، لذا أنزل الله - تعالى - لهم الرزق بتقدير محدد اقتضته حكمته ومشيئته ، كما قال - سبحانه - : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وقوله - تعالى - : { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } تعليل لتنزيله الرزق على عباده بتقدير وتحديد دقيق .
أى : فعل ما فعل - سبحانه - من إنزال الرزق على عباده بقدر ، لأنه - تعالى - خبير بخفايا أحوال عباده ، وبطوايا نفوسهم ، بصير بما يقولونه وبما يفعلونه .
قال صاحب الكشاف : أى أنه - تعالى - يعلم ما يؤول إليه حالهم ، فيقدر لهم ما هو أصلح لهم ، واقرب إلى جمع شملهم ، فيفقر ويغنى ، ويمنع ويعطى ، ويقبض ويبسط ، كما توجبه الحكمة الربانية ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهكلوا .
ولا شبهة فى أن البغى مع الفقر أقل ، ومع البسط أكثر وأغلب ، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغى والإِحجام عنه ، فلو عم البسط ، لغلب البغى حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما هو عليه الآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.