البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

وقال خباب بن الارت : نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها ، فنزلت : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } .

وقال عمرو بن حريث : طلب قوم من أهل الصفة من الرسول عليه السلام أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق ، فنزلت .

أعلم أن الرزق لو جاء على اقتراح البشر ، لكان سبب بغيهم وإفسادهم ، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة .

فرب إنسان لا يصلح ولا يكتفي شره إلا بالفقر ، وآخر بالغنى .

وفي هذا المعنى والتقسيم حديث رواه أنس وقال : « اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى ، فلا تفقرني » ولبغوا ، إما من البذخ والكبر ، أي لتكبروا في الأرض ، ففعلوا ما يتبع الكبر مع الغنى .

ألا ترى إلى حال قارون ؟ وفي الحديث : « أخوف ما يخاف على أمتي زهرة الدنيا » ، وقال الشاعر :

وقد جعلوا الوسمي ينبت بيننا *** وبين بني رومان نبعاً وشوحطا

يعني : أنهم أحبوا ، فجذبوا أنفسهم بالبغي والفتن .

{ ولكن ينزل بقدر ما يشاء } ، يقال : قدر بالسكون وبالفتح ، أي : يقدر لهم ما هو أصلح لهم .