الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

وقوله تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } قال عمرو بن حُرَيْثٍ وغيره : إنَّها نزلت ؛ لأَنَّ قوماً من أهل الصفَّة طلبوا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يُغْنِيَهُمُ اللَّه ، ويبسطَ لهم الأموالَ والأرزاق ، فأعلمهم اللَّه تعالى أنَّه لو جاء الرِّزْقُ على اختيار البَشَر واقتراحهم ، لكان سَبَبَ بغيهم وإفسادهم ؛ ولكَّنه عز وجل أعلمُ بالمَصْلَحَةِ في كُلِّ أحدٍ : { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } : بمصالحهم ، فهو ينزل لهم من الرزق القَدْرَ الذي بِهِ صَلاَحُهُمْ ؛ فرُبَّ إنْسَانٍ لاَ يَصْلُحُ ، وتَنْكَفُّ عاديته إلاَّ بالفقر .

( ت ) : وقد ذكرنا في هذا المختصر أحاديثَ كثيرةً مختارةً في فضل الفقراء الصابرين ما فيه كفايةٌ لمن وُفِّق ، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه » عن سعيد بن المُسَيِّبِ قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِجُلَسَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قال : " هُمُ الخَائِفُونَ ، الخَاضِعُونَ ، المُتَوَاضِعُونَ ، الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً ، قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ؟ قال : لا ، قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ؟ قال : الفُقَرَاءُ يَسْبِقُونَ النَّاسَ إلَى الجَنَّةِ ، فَتَخْرُجُ إلَيْهِمْ مِنْهَا مَلاَئِكَةٌ ، فَيَقُولُونَ : ارجعوا إلَى الْحِسَابِ ، فَيَقُولُونَ : عَلاَمَ نُحَاسَبُ ، وَاللَّهِ مَا أُفِيضَتْ عَلَيْنَا الأَمْوَالُ في الدُّنْيَا فَنَقْبِضَ فِيهَا وَنَبْسُطَ ، وَمَا كُنَّا أُمَرَاءَ نَعْدِلُ وَنَجُورُ ؛ وَلَكِنَّا جَاءَنَا أَمْرُ اللَّهِ فَعَبَدْنَاهُ حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ " انتهى .