فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

{ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ } جميعهم ، أي لو وسع الله لهم رزقهم { لَبَغَوْا } أي لعصوا وطغوا جميعهم { فِي الْأَرْضِ } وبطروا النعمة وتكبروا وطلبوا ما ليس لهم طلبه ، لأن الغنى مبطرة مأشرة ، وكفى بحال قارون وفرعون عبرة وقيل المعنى لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض ولتعطلت الصنائع ، والأول أولى ، والظاهر عموم أنواع الرزق وقيل هو المطر خاصة وذكروا في كون بسط الرزق موجبا للطغيان وجوها لا نطول بذكرها ؛ وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية ، وفي القرطبي بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ، ودابة بعد دابة ، ومركبا بعد مركب ، وملبسا بعد ملبس .

{ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ } بالتشديد وضده سبعيتان { بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ } أي ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته ، وما تقتضيه حكمته البالغة { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ } أي بأحوالهم { خَبِيرٌ بَصِيرٌ } بما يصلحهم من توسيع الرزق وتضييقه فيقدر لكل أحد منهم ما يصلحه ويكفيه عن الفساد بالبغي في الأرض ويقدر لهم ما تقتضيه حكمته ، فيفقر ويغني ، ويمنع ويعطي ، ويبسط ويقبض ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهلكوا ، وما ترى من البسط على من يبغي ، ومن البغي بدون البسط فهو قليل ، ولا شك أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب ، عن أبي هانئ الخولاني قال : سمعت عمرو بن خريت وغيره يقولون : ( إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة وذلك أنهم قالوا لو أن لنا فتمنوا الدنيا ) قال السيوطي سنده صحيح وعن علي " مثله " .