الآية 27 وقوله تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } قال أهل التأويل : إن الآية نزلت في أهل الصّفّة ، تمنوا أن تكن لهم الدنيا . فإن كانت فيهم فكأنه طيّب عليهم الضيق والقتر .
وقال بعضهم : { لبغوا في الأرض } أي يتقلّبون من لباس إلى لباس ومن مركب إلى مركب ، ولكن ليس في ذلك كثير بغي ، فلا يصح صرف التأويل إليه .
ثم عندنا يُخرّج { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } مُخرَج الامتنان والإفضال ؛ وله أن يبسط عليهم ، وإن علِم منهم البغي . ألا ترى أن لو لم يوسّع على فرعون [ لكان ]{[18737]} لا يدّعي الألوهية ؟ لكنه منّ على بعض المؤمنين ، فضيّق عليهم حتى لا يبغوا ، فيُلزمهم بذلك القيام بشكر ما منّ عليهم ، وأنعم بالتضييق حتى لا يبغوا .
وكذلك يُخرّج ما رُوي : منع الله عطاء .
وفي ما ذكرنا جواب عمّن تعلّق بظاهر الآية على أن الأصلح [ واجب حين ]{[18738]} قال : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } بيّن أن الأصلح ألا يبسط لأنا نقول : قد بسط لكثير{[18739]} من الفراعنة والكفرة ، فبغوا . لكن ذكر هذا لبيان المنّة والإنعام بالتقتير والتضييق في حق البعض حتى لا يبغوا ، والله أعلم .
ثم البغي هو التعدّي على حد الله الذي حدّ لهم ، والمجاوزة عنه . ولكن لا نفسّر الحدّ{[18740]} الذي يسمى التعدّي عنه بغيا لما لا يُعلم ما هو .
يحتمل أن يكون معنى قوله : { ولو بس الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } أنه لو بسط عليهم ، ووسّع ، لزمهم الشكر ، والبسط وكثرة المال تشغلهم ، وتمنعهم عن القيام بشكره وما أوجب عليهم من الفرائض والأحكام . ولكن ينزّل بقَدر ما يشاء ما لا يشغلهم ، ولا يمنعهم عن القيام بالذي يُلزمهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إنه بعباده خبير بصير } قد تقدّم تأويله . ثم حاصل [ تأويل الآية ]{[18741]} يرجع إلى [ وجهين :
أحدهما ]{[18742]} : إلى أهل الكفر ، إنه لو وسّع عليهم ، وبَسط ، لبغوا في الأرض ، أي صاروا كلهم أهل كفر وضلال كقوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن } الآية [ الزخرف : 33 ] .
والثاني : يتوجّه إلى خاص من المؤمنين لما علم منهم أنه لو بسط عليهم ، ووسّع لبغوا في الأرض .
فضيّق عليهم ، وقتّر ، امتنانا منه وفضلا لئلا يبغوا ، وهو ما ذكرنا في أحد تآويل{[18743]} قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] أنه إن كان على حقيقة ، له خلقُهم ، فهو في الذين [ علم ]{[18744]} منهم أنهم يعبدونه ، لا محالة يعبدونه على ما ذكرنا .
فأما الذين يعلم أنهم لا يعبدونه فلا{[18745]} يحتمل أن يخلُقهم [ للعبادة لكن يخلُقهم ]{[18746]} لما علم أنه يكون منهم ، والله أعلم .
فعلى ذلك قوله : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } يرجع إلى قوم خاص ، يعلم الله تعالى منهم أنه لو بسط عليهم ، ووسّع عليهم لبغوا في الأرض ، فيُضيّق عليهم فضلا منه ومنّة ، فيُلزمهم القيام بشكر ذلك له ، والله أعلم .
أو يرجع ذلك إلى جملة الخلق من مؤمن وكافر [ يعلم الله تعالى ]{[18747]} أنه لو وسّع ، وبسط على الكل لصاروا جميعا ملوكا . ومن عادة الملوك وطباعهم البغي والغلبة على من نازعهم في ملكهم ومملكتهم . وفي ذلك التفاني والفساد ، فوسّع على بعضهم ، وبسط ، وضيّق على بعض ، لئلا يبغي بعض على بعض ؛ إذ في ذلك تفانٍ وفساد ، والله أعلم بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.