تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } ، وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت في المنام ، كأن فارسا دخل المسجد الحرام ، فنادى : يا آل فهر من قريش ، انفروا في ليلة أو ليلتين ، ثم صعد فوق الكعبة ، فنادى مثلها ، ثم صعد أبا قبيس ، فنادى مثلها ، ثم نقض صخرة من الجبل فرفعها المنادى ، فضرب بها الجبل فانفلقت ، فلم يبق بيت بمكة إلا دخلت قطعة منه فيه ، فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا ، وعنده أبو جهل ابن هشام ، فقال أبو جهل : يا آل قريش ، ألا تعذرونا من بنى عبد المطلب ، إنهم لا يرضون أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم ، ثم قال أبو جهل للعباس : تنبأت رجالكم وتنبأت نساؤكم ، والله لتنتهن ، وأوعدهم ، فقال العباس : إن شئتم ناجزناكم الساعة .

فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري ، قال : أدركوا العير أو لا تدركوا ، فعمد أبو جهل وأصحابه ، فأخذوا بأستار الكعبة ، ثم قال أبو جهل : اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم القبيلتين ، ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا أبا سفيان ، فترك أبو سفيان الطريق وأغز على ساحل البحر ، فقدم مكة وسبق أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المشركين إلى ماء بدر ، فلما التقوا ، قال أبو جهل : اللهم اقض بيننا وبين محمد ، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره ، ففعل الله عز وجل ذلك ، وهزم المشركين وقتلهم ونصر المؤمنين .

فأنزل الله في قول أبي جهل : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } ، يقول : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ، فقد نصرت من قلتم ، { وإن تنتهوا فهو خير لكم } من القتال ، { وإن تعودوا } لقتالهم ، { نعد } عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر ، { ولن تغني عنكم فئتكم شيئا } يعنى جماعتكم شيئا { ولو كثرت } فئتكم ، { وأن الله مع المؤمنين } [ آية : 19 ] في النصر لهم .