محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

وقوله تعالى : 19 { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين } .

{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } خطاب للمشركين ، أي إن تطلبوا الفتح ، أي القضاء وأن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين ، فقد جاءكم القضاء بما سألتم .

روى الإمام أحمد{[4330]} والنسائي والحاكم ، وصححه ، عن عبد الله بن ثعلبة ، " أن أبا جهل قال : حين التقى القوم : اللهم ! أقطعنا للرحم . وآتانا بما لا نعرفه ، فَأَحِنْهُ - أي فأهلكه – الغداةَ . فكان المستفتحَ " .

وعن السديّ{[4331]} " أن المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر : أخذوا بأستار الكعبة ، فاستنصروا لله وقالوا : اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين . فقال تعالى : { إن تستفتحوا . . . }

الآية .

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ أن هذه الآية إخبار عنهم بما قالوا : { اللهم إن كان / هذا هو الحق من عندك . . . } الآية - قيل : في هذا الخطاب تهكم بهم ، يعني في قوله تعالى : { فقد جاءكم الفتح }

لأن الذي جاءهم الهلاك والذلة . كذا في ( العناية ) . وهو مبنيّ على أن الفتح بمعنى النصر ، وله معنى آخر وهو الحكم بين الخصمين والقضاء . وبهما فسرت الآية أيضا . { وإن تنتهوا } أي عن الكفر وعداوة الرسول { فهو خير لكم } أي في الدنيا والآخرة { وإن تعودوا } أي لمحاربة الرسول { نعد }

أي لنصره عليكم { ولن تغني } أي تدفع { عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت ، وأن الله مع المؤمنين } أي بالنصر . قرئ بكسر ( إن ) استئنافاً ، وفتحها ، على تقدير اللام .

تنبيه :

جُوِّز أن يكون الخطاب في قوله تعالى : { وإن تستفتحوا } للمؤمنين ، أي إن تطلبوا النصر باستغاثتكم ربكم ، فقد حصل لكم ذلك ، فاشكروا ربكم ، والزموا طاعته . وقوله تعالى : { وإن تنتهوا } أي عن المنازعة في أمر الأنفال ، وعن طلب الفداء على الأسرى الذي عوتبوا عليه بقوله تعالى{[4332]} : { لولا كتاب من الله سبق } فقال تعالى : { وإن تنتهوا } - عن مثله - فهو خير لكم ، وإن تعودوا إلى تلك المنازعات نعد عليكم بالإنكار ، وتهييج العدوّ ؛ لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة ، وترك المخالفة ، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة ، إذا لم يكن الله معكم بالنصر ، فإنه مع الكاملين في إيمانهم . وهذا الوجه قرره الرازي ونقله عن القاضي .

قال البيضاوي : ويؤكده الآية بعدُ ، فإن المراد بها الأمر بطاعة الرسول ، والنهي عن الإعراض عنه ، والله أعلم .


[4330]:أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 431 من الجزء الخامس (طبعة الحلبي).
[4331]:انظر تفسير الطبري (طبعة الحلبي الثانية) الصفحة رقم 208 من الجزء التاسع.
[4332]:[8 / الأنفال / 68].