السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

وقوله تعالى :

{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } أكثر المفسرين على أنه خطاب للكفار .

روي أنّ أبا جهل لعنه الله قال يوم بدر : اللهمّ أينا كان أقطع للرحم وأفجر فأهلكه الغداة ، وقال السدي : إنّ المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى القبيلتين وأكرم الحزبين بأفضل الدين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية أي : إن تستنصروا لأهدى القبلتين وتستقضوا ، فقد جاءكم النصر والقضاء بهلاك من هو كذلك ، وهو أبو جهل ، ومن قتل معه دون النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .

وقيل : خطاب للمؤمنين وذلك إنه صلى الله عليه وسلم لما رأى المشركين وكثرة عددهم وعددهم استغاث بالله تعالى وطلب ما وعده الله تعالى به من إحدى الطائفتين ، وتضرع إلى الله تعالى ، وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فقال تعالى : { إن تستفتحوا } أي : إن تطلبوا النصر الذي تقدّم به الوعد فقد جاءكم الفتح أي : حصل ما وعدتم فاشكروا الله تعالى والزموا الطاعة .

قال القاضي عياض : وهذا القول أولى ؛ لأنّ قوله تعالى : { فقد جاءكم الفتح } لا يليق إلا بالمؤمنين ، اه .

وقال البيضاوي إنه خطاب لأهل مكة عن سبيل التهكم اه . ويدل له قوله تعالى : { وإن تنتهوا } أي : عن الكفر ومعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم { فهو خير لكم } أي : لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلتين { وإن تعودوا } أي : لقتال النبيّ صلى الله عليه وسلم { نعد } أي : لنصرته عليكم { ولن تغني } أي : تدفع { عنكم فئتكم } أي : جماعتكم { شيئاً } ؛ لأنّ الله تعالى على الكافرين فيخذلهم { ولو كثرت } فئتكم { وإنّ الله مع المؤمنين } بالنصر والمعونة ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة على ولأنّ الله تعالى والباقون بالكسر على الاستئناف .