البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين } تقدّم ذكر المؤمنين والكافرين وسبق الخطاب للمؤمنين بقوله { فلم تقتلوهم } وبقوله { ذلكم } فحملة قوم على أنه خطاب للمؤمنين ويؤيده قوله { فقد جاءكم الفتح } إذ لا يليق هذا الخطاب إلا بالمؤمنين على إرادة النصر بالاستفتاح وأنّ حمله على البيان والحكم ناسب أن يكون خطاباً للكفار والمؤمنين فإذا كان خطاباً للمؤمنين فالمعنى أن تستنصروا فقد جاءكم النصر { وإن تنتهوا } عن مثل ما فعلتموه في الغنائم والأسرى قبل الإذن { فهو خير لكم وإن تعودوا } إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما قال { لولا كتاب من الله سبق } الآية ثم أعلمهم أنّ الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله ومعونته ثم آنسهم بإخباره أنه تعالى مع المؤمنين .

وقال الأكثرون هي خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم وذلك أنه حين أرادوا أن ينفروا تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أقرانا للضيف وأوصلنا للرحم وأفكنا للعاني إن كان محمد على حقّ فانصره وإن كنا على حقّ فانصرنا ، ورُوي أنهم قالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ، ورُوي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر : اللهم أينا كان أهجر وأقطع للرحم فاحِنه اليوم أي فأهلكه ، وروي عنه دعا شبه هذا ، وقال الحسن ومجاهد وغيرهما : كان هذا القول من قريش وقت خروجهم لنصرة العير ، وقال النضر بن الحرث : { اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك } الآية وهو ممن قتل يوم بدر ، وعلى هذا القول يكون معنى قوله { فقد جاءكم الفتح } ولكنه كان للمسلمين عليكم ، وقيل معناه : { فقد جاءكم } ما بان لكم به الأمر واستقرّ به الحكم وانكشف لكم الحقّ به ، ويكون الاستفتاح على هذا بمعنى الحكم والقضاء وإن انتهوا عن الكفر وإن تعودوا إلى هذا القول وقتال محمد بعد { نعد } إلى نصر المؤمنين وخذلانكم ، وقالت فرقة : { إن تستفتحوا } خطاب للمؤمنين وإن تنتهوا خطاب للكافرين أي وإن تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم { فهو خير لكم وإن تعودوا } لمحاربته { نعد } لنصرته عليكم ، وقال الكرماني : { وإن تنتهوا } عن أمر الأنفال وفداء الأسرى ببدر { وإن تعودوا } إلى معصية الله { نعد } إلى الإنكار وقرىء : ولن يغني بالياء لأنّ التأنيث مجاز وحسنه الفصل ، وقرأ الصاحبان وحفص : { وأن الله } بفتح الهمزة وباقي السبعة بكسرها وابن مسعود { والله مع المؤمنين } .