الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

قوله تعالى : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " شرطه وجوابه . وفيه ثلاثة أقوال : يكون خطابا للكفار ؛ لأنهم استفتحوا فقالوا : اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصره عليه ، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما . وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنصرة العير . وقيل : قاله أبو جهل وقت القتال . وقال النضر بن الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . وهو ممن قتل ببدر . والاستفتاح : طلب النصر ، أي قد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم . أي فقد جاءكم ما بان به الأمر ، وانكشف لكم الحق . " وإن تنتهوا " أي{[7640]} عن الكفر " فهو خير لكم " . " وإن تعودوا " أي إلى هذا القول وقتال محمد . " نعد " إلى نصر المؤمنين . " ولن تغني عنكم فئتكم " أي عن{[7641]} جماعتكم " شيئا " . " ولو كثرت " أي في العدد .

الثاني : يكون خطابا للمؤمنين ، أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر . وإن " تنتهوا " أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن ؛ " فهو خير لكم " . و " وإن تعودوا " أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم . كما قال : " لولا كتاب من الله سبق{[7642]} " [ الأنفال : 68 ] الآية .

والقول الثالث : أن يكون " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " خطابا للمؤمنين ، وما بعده للكفار . أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر . القشيري : والصحيح أنه خطاب للكفار ، فإنهم لما نفروا إلى نصرة العير تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أهدى الطائفتين ، وأفضل الدينين . المهدوي : وروي أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها ، أي يستنصرون .

قلت : ولا تعارض لاحتمال أن يكونوا فعلوا الحالتين .

" وإن الله مع المؤمنين " بكسر الألف على الاستئناف ، وبفتحها عطف على قوله : " وأن الله موهن كيد الكافرين " . أو على قوله : " أني معكم " . والمعنى : ولأن الله ، والتقدير لكثرتها وأن الله . أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت .


[7640]:من هـ ، و ج و ب.
[7641]:من ج.
[7642]:راجع ج 8 ص 50