غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِۚ كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ} (76)

69

ثم قال لهم المؤذن ومن معه : لا بد من تفتيش أوعيتكم فانصرف بهم إلى يوسف

{ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه } لنفي التهمة والوعاء كل ما إذا وضع فيه شيء أحاط به . قال قتاة : كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثماً مما قذفهم به حتى إذا لم يبق إلا أخوه قال : ما أظن هذا أخذ شيئاً . فقالوا : والله لا تتركه حتى تنظر في رحله فنظر . { ثم استخرجها } أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث . { من وعاء أخيه } فأخذوا برقبته وحكموا برقيته . ثم قال سبحانه { كذلك } أي مثل ذلك الكيد العظيم { كدنا ليوسف } يعني علمناه إياه وأوحينا به إليه . والكيد مبدؤه السعي في الحيلة والخديعة ونهايته إلقاء الإنسان من حيث لا يشعر به في أمر مكروه ولا سبيل إلى دفعه ، وقد سبق فيما تقدم أن أمثال هذه الألفاظ في حقه تعالى محمولة على النهايات لا على البدايات . وما هذا الكيد ؟ قيل : هو أن إخوة يوسف سعوا في إبطال أمره والله تعالى نصره وقواه . وقيل : الكيد يستعمل في الخير أيضاً والمعنى كفعلنا بيوسف من الإحسان إليه ابتداء فعلنا به انتهاء وقيل : تفسير هذا الكيد هو قوله : { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } لأن حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم مثلي ما سرق فما كان يوسف قادراً على حبس أخيه بناء على دين الملك وحكمه . ومعنى { إلا أن يشاء الله } هو أن الله كاد له فأجرى على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق حتى توصل بذلك إلى أخذ أخيه ، وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى بعض الأغراض الدينية والدنيوية .

ثم مدحه على الهداية إلى هذه الحيلة كما مدح إبراهيم على ما حكى عنه من دلائل التوحيد والبراءة من إلهية الكوكب ثم القمر ثم الشمس فقال : { نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم } فوقه أرفع درجة منه في علمه . ثم إن أطلق على الله تعالى أنه ذو علم كان هذا العام مخصوصاً لأنه لا عليم فوقه ، وإن قيل : إنه عالم بلا علم كما يقوله بعض المعتزلة كان النص باقياً على عمومه ، وإن قلنا إن الكل بمعنى المجموع كان المعنى وفوق جميع العلماء عليم هم دونه في العلم وهو الله تعالى والميل إلى هذا التفسير لأن قوله : { ذو علم } مشعر بكون علمه زائداً على حقيقته ووصفه تعالى عين ذاته ، وفي هذا البحث طول وفي الرمز كفاية .

يروى أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس إخوته رؤوسهم حياء وأقبلوا عليه وقالوا له : ما الذي صنعت ففضحتنا وسودت وجوهنا يا بني راحيل ، ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصاع ؟ فقال : بنو راحيل هم الذين لا يزال منكم عليهم البلاء ، ذهبتم بأخي فأهلكتموه ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم فعند ذلك { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } .

/خ83