تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِۚ كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ} (76)

{ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه . . . } .

أي : بدأ يوسف أو من ينوب عنه بتفتيش أوعية إخوته العشرة الذين هم من أبيه ، قبل تفتيش وعاء أخيه بنيامين الشقيق ؛ لنفى التهمة في أول الأمر عن نفسه إن بدأ به ، ولينسيهم فرحهم ببراءتهم أولا ، ما حدث لأخيهم من أبيهم أخيرا .

وفي التوراة الحالية : " ففتش مبتدئا من الكبير حتى انتهى إلى الصغير ، فوجد الطاس في عدل بنيامين " .

روى : أنه لما بلغت النوبة إلى وعاء بنيامين ؛ قال يوسف : ما أظن هذا أخذ شيئا ؛ فقالوا : والله لا تتركه حتى تنظر في رحله ؛ فإنه أطيب لنفسك ، وأنفسنا ! ففعل33 .

{ ثم استخرجها من وعاء أخيه } . ثم استخرج السقاية من وعاء أخيه بنيامين ؛ فأخذه يوسف بحكم اعترافهم والتزامهم ، وإلزامهم إلزاما لهم بما يعتقدونه .

{ كذلك كدنا ليوسف } . أي : مثل ذلك الكيد والتدبير المحكم { كدنا ليوسف } . أي : علمناه إياه وأرشدناه إليه ، حتى يصل إلى هدفه بدس الصواع في وعاء بنيامين ؛ واستفتاء إخوته بحكم من وجد الصواع في وعائه ، وحكمهم بهذا الحكم الذي يدينون في شريعتهم .

{ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } . أي : إن شريعة الملك كانت تقتضي عقوبة السارق بعقوبات أخرى كالضرب والتغريم ، وما كان يستطيع أن يحبس أخاه ، ويأخذه من إخوته ؛ ليقيم معه ؛ إذا نفذ دين الملك وأوامره وقوانينه .

{ إلا أن يشاء الله } . إلا بمشيئة الله وإرادته وعونه ، كما قال يوسف فيما بعد : { إن ربي لطيف لما يشاء } ؛ فهو سبحانه ييسر الأسباب ويرتبها للوصول إلى النهاية التي يريدها .

{ نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم } .

إذا أراد الله رفعة عبد ؛ سبب له الأسباب ، ويسر له الأمور ؛ كما فعل بيوسف ، حيث جعله على خزائن الأرض ، ويسر له انتقال شقيقه بنيامين إلى جواره .

قال الأستاذ سعيد حوى في ( الأساس في التفسير ) :

" وهذا ثناء ضمني على يوسف ؛ إذ المعنى : نرفع درجات في العلم من نشاء كما رفعنا درجة يوسف عليه السلام34 " اه .

{ وفوق كل ذي علم عليم } .

فمن سنته سبحانه ومن عطائه ، ومن حكمته : أن يجعل الناس منازل في العلم ، فما من عالم إلا وفوقه من هو أعلم منه ، وأرفع درجة في العلم ، أو فوق العلماء جميعا ، عليم . هم دونه في العلم ، قال تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }( البقرة : 216 ) .