{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ } قيل : قال لهم من وكل بهم : لا بدّ من تفتيش أوعيتكم ، فانصرف بهم إلى يوسف ، فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة حتى بلغ وعاءه فقال : ما أظنّ هذا أخذ شيئاً ، فقالوا : والله لا نتركه حتى تنظر في رحله ، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ، فاستخرجوه منه وقرأ الحسن : «وُعاء أخيه » ، بضم الواو ، وهي لغة . وقرأ سعيد ابن جبير : «إعاء أخيه » ، بقلب الواو همزة . فإن قلت : لم ذكر ضمير الصواع مرّات ثم أنثه ؟ قلت : قالوا رجع بالتأنيث على السقاية ، أو أنث الصواع لأنه يذكر ويؤنث ، ولعلّ يوسف كان يسميه سقاية وعبيده صواعاً ، فقد وقع فيما يتصل به من الكلام سقاية ، وفيما يتصل بهم منه صواعاً { كذلك كِدْنَا } مثل ذلك الكيد العظيم كدنا { لِيُوسُفَ } يعني علمناه إياه وأوحينا به إليه { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الملك } تفسير للكيد وبيان له ، لأنه كان في دين ملك مصر ، وما كان يحكم به في السارق أن يغرم مثلي ما أخذ ، لا أن يلزم ويستعبد { إِلاَّ أَن يَشَاء الله } أي ما كان يأخذه إلا بمشيئة الله وإذنه فيه { نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاء } في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه . وقرىء : «يرفع » بالياء . ودرجات بالتنوين { وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ } فوقه أرفع درجة منه في علمه ، أو [ و ] فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم ، وهو الله عز وعلا .
فإن قلت : ما أذن الله فيه يجب أن يكون حسناً ، فمن أي وجه حسن هذا الكيد ؟ وما هو إلا بهتان ، وتسريق لمن لم يسرق ، وتكذيب لمن لم يكذب ، وهو قوله { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] ، { فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كاذبين } [ يوسف : 74 ] ؟
قلت : هو في صورة البهتان وليس ببهتان في الحقيقة ؛ لأنّ قوله : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف . وقيل : كان ذلك القول من المؤذن لا من يوسف ، وقوله : { إِن كُنتُمْ كاذبين } [ يوسف : 74 ] فرض لانتفاء براءتهم . وفرض التكذيب لا يكون تكذيباً ، على أنه لو صرَّح لهم بالتكذيب ، كما صرّح لهم بالتسريق . لكان له وجه ؛ لأنهم كانوا كاذبين في قولهم : { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ متاعنا فَأَكَلَهُ الذئب } [ يوسف : 17 ] هذا وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية ، كقوله تعالى لأيوب عليه السلام : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } [ ص : 44 ] ليتخلص من جلدها ولا يحنث ، وكقول إبراهيم عليه السلام : هي أختي ، لتسلم من يد الكافر . وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرق إلى التخلص من الوقوع في المفاسد ، وقد علم الله تعالى في هذه الحيلة التي لقنها يوسف مصالح عظيمة فجعلها سلماً وذريعة إليها ، فكانت حسنة جميلة وانزاحت عنها وجوه القبح لما ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.