تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِۚ كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ} (76)

وقوله تعالى : ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ) ظاهر هذا الكلام أن يكون يوسف هو الذي فتش أوعيتهم وطلب ذلك فيها حين[ في الأصل وم : حيث ] نسب ذلك إليه بقوله : ( قبل وعاء أخيه ) لكنه نسب إليه [ لأنه ][ في الأصل وم : لما ] بأمره ، إذ الملوك لا يأتون ذلك بأنفسهم .

وفيه أنه قد فصل بينه وبين بنيامين ؛ سمى هذا أخاه ، ولم يسم أولئك بقوله : ( بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ) وهو يخرج على وجهين .

أحدهما : أنه قد ذكر هذا أنه أخوه حين[ في الأصل وم : حيث ] قال له : ( إني أنا أخوك )[ الآية : 69 ] ولم يذكر أولئك ، فسمى هذا أخا له ونسبه إليه بالأخوة لما كان ذكر له ، ولم يسم أولئك لما لم يذكر لهم أنه أخوهم .

والثاني : أنه لم يكن لهذا ؛ أعني بنيامين [ في حق ][ في الأصل وم : لمكان ] يوسف سوء صنيع ولا شريك ، بل هو على الأخوة والصداقة التي كانت بينه وبينه . وأما أولئك ؛ أعني غيره من الإخوة فقد كان منهم إليه ما كان من سوء صنيعهم وقبح فعالهم ، فخرج ذلك مخرج التبري من الأخوة بسوء ما كان إليه .

وهو كقوله لنوح عليه السلام حين قال : ( رب إن ابني من أهلي ) : ( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )[ هود : 45و46 ] نفى أن يكون من أهله بسوء عمله ، وفعله غير صالح .

فعلى ذلك الأول ، يشبه أن يكون على هذا والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ثم استخرجها من وعاء أخيه ) دل هذا أنه قد كان منه أيضا التفتيش و الطلب في وعاء أخيه على ما كان في أوعيتهم لا يستخرجها على غير تفتيش .

وقوله تعالى : ( كذلك كدنا ليوسف ) هذا يحتمل وجهين :

أحدهما[ في الأصل وم : يحتمل ] ( كذلك كدنا ليوسف ) أي علمنا يوسف من أول الأمر إلى آخره ما يكيد ويحتال في إمساك أخيه عنده ومنعه عنهم [ لئلا يخلو ][ في الأصل وم : لأن يخلو ] لهم وجه أبيهم بتغييب يوسف عن أبيه لأن أباهم قال : ( حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم )[ الآية : 66 ] فلما بلغه ذلك الخبر تولى عنهم وهو قوله : ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف )الآية[ الآية : 84 ] .

هذا والله أعلم ، جزاء كيدهم الذي كادوا بيوسف ليخلو لهم وجه أبيهم ليتولى عنهم أبوهم . هذا يشبه أن يكون .

والثاني : ( كذلك كدنا ليوسف ) أي علمناه أن كيف يفتش أوعيتهم لئلا يشعروا أنه عن علم استخرجها من وعاء أخيه لا عن جهل وظن ؟ علمناه[ في الأصل وم : لعلمه ] البداية في التفتيش لأوعيتهم لئلا يقع عندهم أنه عن علم ويقين يأخذه .

يشبه ، والله أعلم ، أن يخرج قوله : ( كذلك كدنا ليوسف ) على هذين الوجهين أو ( كذلك كدنا ليوسف ) بالكيد بهم جزاء ما عملوا به بالحق لما اهتموا بإمساك أخيهم .

وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِك ) أي في حكم الملك ؛ ذكر أن حكم إخوة يوسف وقضاءهم فيهم أن من سرق يكن[ في الأصل وم : يكون ] عبدا بسرقته للمسروق ، ويستعبد[ من م ، في الأصل : ويستبعد ] بسرقته . ومن حكم الملك أن يغرم[ في الأصل وم : يفرق ] السارق ضعفي ما سرق ويضرب ويؤدب ثم يخلى عنه . ولا نعلم ما حكم الملك في السرقة سوى أنه أخبر أن ليس له أخذ أخيه في دين الملك .

وقوله تعالى : ( إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك أو يجعل له حق الأخذ وحبسه وإن لم يكن ذلك في حكمه ، أو أن يكون قوله : ( إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) على ما كان الأنبياء صلوات الله عليهم ، وسلامه ، يذكرون الثنيا على حقيقة المشيئة ، أو يقول : إلا أن يكون في علم الله مني زلة ، فأستوجب عند ذلك الكون في دين[ من م ، في الأصل : ذلك ] الملك ، فيشاء ما علم مني .

وكذلك قوله إبراهيم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا )[ الأنعام : 80 ] أي لا أخاف ما تشركون به إلا أن يكون مني ما أستوجب ذلك بزلة ، فيشاء الله ذلك مني .

وقوله تعالى : ( نرفع درجات من نشاء ) الدرجات هن الفضائل ؛ نرفع بعضهم فوق بعض بالنبوة والعلم وفي كل شيء ( وفوق كل ذي علم عليم ) ما من عالم ، وإن لطف علمه ، وكثر إلا وقد يكون فوقه من هو ألطف علما منه وأكثر وأعلم في شيء . أو يكون قوله : ( وفوق كل علم عليم ) هو الله تعالى فوق كل ذي علم ؛ يعلمهم العلم ، والله أعلم .

ومن يقول : إنه عالم ، [ وهو لا يعلم كل شيء ][ في الأصل وم : لا يعلم ] يحتج بظاهر هذه الآية حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( وفوق كل ذي علم عليم ) أثبت لغيره العلم ، ولم يذكره[ في الأصل و م : يذكر ] لنفسه ؛ كأنه[ في الأصل وم : بل ] قال : [ إنه ذو علم . ولو قال إنه ][ في الأصل وم : عليم لكنه إذا قال ] عليم أثبت العلم [ لنفسه لأنه ][ في الأصل وم : ولأنه ] إذا قال : وفوق كل العلماء يكون كذلك .