غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

22

{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله } وفي التصريح بالتحريم بعد النهي تأكيد للخطر . ولا ولما فرغ من التكليف بالاحتياط في مبدأ حال الإنسان شرع بالتكليف بالاحتياط في آخر عمره فقال : ريب أن الأصل في قتل الإنسان هو التحريم لأنه ضرر ، والأصل في المضار الحرمة ، ولأن الإنسان خلق للاشتغال بالعبادة وإنه لا يتم إلا بالحياة وكمال البنية ، ولكن الحل إنما يثبت لأسباب عرضية فلهذا قال : { إلا بالحق } وهذا بحمل فبين ذلك الحق بقوله : { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً } أي تسلطاً على استيفاء القصاص . فظاهر الآية دل على أنه لا سبب لحل القتل إلا إذا قتل مظلوماً ، وظاهر قوله عليه السلام " لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ؟ وقتل نفس بغير حق " يقتضي ضم شيئين آخرين إليه فرعاً على القول بتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد . ويحتمل أن يقال قوله : { ومن قتل مظلوماً } . كلام مستأنف ، والحديث بتمامه تفسير لقوله : { إلا بالحق } فلا يلزم التفريع المذكور . ثم إنه دلت آية أخرى على حصول سبب رابع هو قوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } { المائدة : 33 ] وآية أخرى على سبب خامس وهو الكفر الأصلي : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } [ البقرة : 191 ] هذا وقد أبدى الفقهاء أسباباً أخر منها : أن تارك الصلاة يقتل عند الشافعي دون أبي حنيفة ، وكذا اللائط . ومنها الساحر إذا قال : قتلت فلاناً بسحري . وجوز بعضهم قتل من يمنع الزكاة أو يأتي البهيمة ، والذين منعوا القتل في هذه الصور قالوا : الأصل حرمة القتل كما بيناه فلا يترك هذا الدليل إلا لمعارض أقوى لا أقل من المساوي وهو النص المتواتر . ثم إنه سبحانه أثبت لوليّ الدم سلطاناً . ولم يبين أن هذه السلطنة تحصل فيماذا فقيل : إنه قال : { فلا يسرف في القتل } عرف أن تلك السلطنة إنما تحصل في استيفاء القتل . وقيل : معنى قوله : { فلا يسرف في القتل } إنه لما حصلت له سلطنة استيفاء القصاص وسلطنة استيفاء الدية بقوله : { كتب عليكم القصاص في القتلى } إلى قوله : { فمن عفى }

[ البقرة : 178 ] الآية . فالأولى به أن لا يقدم على استيفاء القتل وأن يكتفي بالعفو وأخذ الدية ، فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص . وعن الشافعي أن التنوين في قوله : { مظلوماً } للتنكير فيدل على أن المقتول ما لم يكن كاملاً في وصف المظلومية لم يدخل تحت هذا النص ، فيعلم منه أن المسلم لا يقتل بالذمي لأن الذمي مشرك فإن ذنبه غير مغفور كالمشرك ، ولأن النصارى قائلون بالتثليث وقد قال تعالى : { اقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] فثبت أن الذمي غير كامل في المظلومية فلا يندرج في الآية . وأيضاً ليس فيها دلالة على أن الحر يقتل بالعبد لأنها وإن كانت عامة إلا أن قوله { الحر بالحر والعبد بالعبد }

[ البقرة :178 ] خاص والخاص مقدم على العام . من قرأ { فلا تسرف } بالتاء الفوقانية فعلى خطاب الولي أو قاتل المظلوم ، ومن قرأ على الغيبة فالضمير للولي أي فلا يقتل غير القاتل ولا اثنين والقاتل واحد كعادة الجاهلية . وعن مجاهد أن الضمير الأول للقاتل ، أما الضمير في قوله : { إنه كان منصوراً } فإما للولي أي حسبه أن الله قد نصره بإيجاب القصاص فلا يستزاد عليه ، أو نصره بمعونة السلطان والمؤمنين فلا يتبع ما وراء حقه ، وإما للمظلوم فإن الله نصره في الدنيا بإيجاب القصاص على قاتله ، وفي الآخرة بإعطاء الثواب . وأما الذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف .

ولما ذكر النهي عن إتلاف النفوس في المبادىء وفيما وراءها أتبعه النهي عن إتلاف الأموال وكان أهمها بالحفظ والرعاية مال اليتيم فقال :

/خ40