غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

22

ثم أمر بإصلاح اللسان والقلب فقال : { ولا تقف } أي لا تتبع من قولك " فقوت فلاناً " أي اتبعت أثره ومنه قافية الشعر لأنها تقفو كل بيت ، والقبيلة المشهورة بالقافة لأنه يتبعون آثار أقدام الناس ويستدلون بها على أحوالهم في النسب . والمراد النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم أو يعمل بما لا علم له به ، وهذه قضية كلية ولكن المفسرين حملوها على صور مخصوصة فقيل : نهى المشركين عن تقليد أسلافهم في الإلهيات والنبوات والتحليل والتحريم والمعاد كقوله : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } [ النجم : 23 ] { هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن }

[ الأنعام : 148 ] وعن محمد بن الحنفية : المراد شهادة الزور . ومثله عن ابن عباس : لا تشهد إلا رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك . وقيل : أراد النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب . وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه . وقال قتادة : معناه لا تقل سمعت ورأيت وعملت ولم تسمع ولم تر ولم تعلم . وقيل : القفو هو البهت وهو في معنى الغيبة لأنه قول يقال في قفاه ومن الحديث : " من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " أي يتوب . وردغة الخبال بفتح الدال وسكونها هي غسالة أهل النار من القيح والصديد .

احتج نفاة القياس بالآية زعماً منهم أن الحكم في دين الله بالقياس حكم بغير المعلوم . وأجيب بأن العلم قد يراد به الظن قال تعالى : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } [ الممتحنة : 10 ] ولا ريب أنه إنما يمكن العلم بإيمانهن بناء على إقرارهن ، وإنه لا يفيد إلا الظن . سلمنا لكن الظن وقع في الطريق لأن الشرع قد أقام الظن الغالب مقام العلم وأمر بالعمل به ، وزيف بأنه لا دليل قاطعاً على وجوب العمل بالظن الغالب لأن ذلك الدليل ليس عقلياً بالاتفاق ، ولا نقلياً لأنه إنما يكون قطعياً لو كان منقولاً نقلاً متواتراً وكانت دلالته على ثبوت هذا الطلب دلالة قطعية غير محتملة للنقيض ، ولو حصل مثل هذا الدليل لوصل إلى الكل ولم يبق خلاف ، ونوقض بأن الدليل الذي عولتم عليه - وهو هذه الآية - تمسك بعام مخصوص للاتفاق على أن العمل بالشهادة عمل بالظن وهو جائز . وكذا الاجتهاد في القبلة وفي قيم المتلفات وأروش الجنايات ، وكذا الفصد والحجامة وسائر المعالجات ، وكذا الحكم بكون الشخص المعين كالذبائح مؤمناً لتحل ذبيحته ، أو الوارث لحصول التوارث ، أو الميت ليدفن في مقابر المسلمين . وبالحقيقة أكثر الأعمال المعتبرة في الدنيا من الأسفار وطلب الأرباح والمعاملات إلى الآجال المعينة والاعتماد على صداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء كلها مظنونة . وقال صلى الله عليه سلم : نحن نحكم بالظاهر . والتمسك بالعام المخصوص لا يفيد إلا الظن . فلو دلت هذه الآية على أن التمسك بالظن غير جائز لزم أن لا يجوز التمسك بهذه الآية ، وكل ما يفضي ثبوته إلى نفيه يسقط الاستدلال به . وأجيب بأنا نعلم بالتواتر الظاهر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن التمسك بآيات القرآن جائز . ورد بأن كون العالم المخصص حجة غير معلوم بالتواتر ، ثم علل النهي بقوله : { إن السمع والبصر وكل أولئك } إشارة إلى الأعضاء الثلاثة وإن لم تكن من ذوات العقول كقوله : والعيش بعد أولئك الأيام . { كان عنه مسئولاً } قال في الكشاف : { عنه } في موضع الرفع بالفاعلية مثل { غير المغضوب عليهم } [ الفاتحة : 7 ] وفيه نظر لأن المسند إليه الفعل أو شبهه لا يتقدم عليه . والصواب أن يقال : إنه فاعل { مسئولاً } المحذوف والثاني مفسر له . وكيف يسأل عن هذه الجوارح ؟ قيل : يسأل صاحبهما عما استعملها فيه لأنها آلات والمستعمل لها هو الروح الإنساني ، فإن استعملها في الخيرات استحق الثواب وإلا فالعقاب . وقيل : إنه تعالى ينطق الأعضاء ثم يسألها عن أفعالها .

/خ40