قوله تعالى : { ومن الناس من يشري } الآية . قال سعيد بن المسيب : أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال : والله لا تصلون إليّ أو أرمي بكل سهم معي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي . وإن شئتم دللتكم على مال دفنته بمكة وخليتم سبيلي ففعلوا . فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ربح البيع أبا يحيى " وتلا الآية . وقيل : أخذ المشركون صهيباً فعذبوه فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير لا يضركم ، أمنكم كنت أم من غيركم . فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ؟ ففعلوا ذلك . وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى . قال صهيب : وبيعك . أفلا تخبرني ما ذاك ؟ فقال : نزلت فيك كذا قرأ الآية . عن الحسن : نزلت في أن المسلم أتى الكافر فقاتل حتى قتل . وقيل : نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . سمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه الآية فقال عمر : إنا لله قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل . وقيل : نزلت في علي رضي الله عنه بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خروجه إلى الغار . ويروى أنه لما نام على فراشة قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبريل ينادي بخ بخ . من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الآية . ثم إن الآية تدل على أن ههنا مبايعة ، فأكثر المفسرين على أن العامل هو البائع . ومعنى يشري يبيع { وشروه بثمن بخس } [ يوسف : 20 ] والله هو المشتري
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } [ التوبة : 111 ] وعمل المكلف وهو بذل نفسه في طاعة الله من الصلاة والصيام والحج والجهاد هو الثمن والجنة هي المثمن . وقيل : يحتمل أن يراد بالشراء ههنا الاشتراء وذلك أن من أقدم على الكفر والمعاصي . فكأن نفسه خرجت عن ملكه وصارت حقاً للنار ، وإذا أقدم على الطاعة صار كأنه اشترى نفسه من النار فصار حال المؤمن كالمكاتب يبذل دراهم معدودة ويشتري بها نفسه ، والمؤمن يبذل أنفاساً معدودة ويشتري بها نفسه ، لكن المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم . فكذا المكلف لا ينجو عن ربقة العبودية ما دام بقي له نفس واحد في الدنيا ، وهذا كقول عيسى عليه السلام { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً }
[ مريم : 31 ] وقوله عز من قائل لنبيه { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [ الحجر : 99 ] و{ ابتغاء مرضات الله } أي طلب رضوانه نصب على العلة الغائية . وفيه دليل على أن كل مشقة يتحملها الإنسان يجب أن تكون على وفق الشرع ومطلوباً بها جانب الحق وإلا كان عمله ضلالاً وكده وبالاً . { والله رءوف بالعباد } فمن رأفته جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل ، وجوز لهم كلمة الكفر إبقاء على النفس { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل : 106 ] ومن رأفته أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ومن رأفته أن المصر على الكفر مائة سنة إذا تاب ولو في لحظة أسقط عقابه وأعطاه ثوابه ، ومن رأفته أن النفس له والمال له ثم إنه يشتري ملكه بملكه فضلاً منه وامتناناً ورحمة وإحساناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.