غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

275

{ وإن كان ذو عسرة } إن وقع غريم من غرمائكم ذو إعسار على أن " كان " هي التي تسمى تامة بمعنى وجد الشيء وحدث في نفسه لا بمعنى وجد موصوفاً بشيء فإنها حينئذٍ تكون ناقصة تحتاج إلى الخبر . وقرأ عثمان { ذا عسرة } بمعنى وإن كان الغريم أو المستربي ذا عسرة . والقراءة المشهورة أولى كيلا تكون النظرة مقصورة على الغريم المستربي بل تعمه وغيره من أرباب العسرة وهي اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال . والنظرة التأخير والإمهال وفي الآية حذف والتقدير : فالحكم أو فالأمر نظرة . وقرئ { فنظرة } بسكون الظاء ، وقرأ عطاء { فناظره } على الأمر أي سامحه بالإنظار وناظره أي صاحب الحق ناظره أي منتظره ، أو ذو نظرته مثل مكان عاشب أي ذو عشب . والميسرة اليسار ضد الإعسار .

وقرئ بضم السين كمقبرة ومقبرة . ومن قرأ بالإضافة إلى الضمير فقد حذف التاء كقوله : { وأقام الصلاة } واختلفوا في أن حكم الإنظار مختص بالربا أو عام في الكل ؟ فعن ابن عباس وشريح والضحاك والسدي وإبراهيم : الآية في الربا . قال الكلبي : قال بنو عمرو لبني المغيرة : هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم . فقال بنو المغيرة : نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروهم فنزلت { وإن كان ذو عسرة } وعن مجاهد وسائر المفسرين أنها عامة في كل دين ، ولهذا ورد " كان " تامة . ولو فرض أن سبب النزول خاص فلا بد من إلحاق سائر الصور به لأن العاجز عن أداء المال لا يجوز تكليفه به وهو قول أكثر الفقهاء كمالك وأبي حنيفة والشافعي . والإعسار في الشرع هو أن لا يجد في ملكه ما يؤديه بعينه ولا يكون له ما لو باعة لأمكن أداء الدين من ثمنه . فمن وجد داراً أو ثوباً لا يعد من ذوي العسرة إذا أمكنه بيعها وأداء ثمنها ، ولا يجوز له أن يحبس إلا قوت يومه لنفسه وعياله وما لا بد لهم من كسوة لصلاتهم ودفع الحر والبرد عنهم . وهل يلزمه أن يؤخر نفسه من صاحب الدين أو غيره ؟ الأصح أنه لا يلزمه ، وكذا لو بذل له غيره ما يؤديه لا يلزمه القبول . فأما من له بضاعة كسدت عليه فواجب عليه أن يبيعها بالنقصان إن لم يمكن إلا ذلك . وإذا علم الإنسان أن غريمه معسر حرام عليه حبسه وأن يطالبه بما له عليه ووجب الإنظار إلى وقت اليسار فأما إن كان غريمه في إعساره جاز أن يحبسه إلى ظهور الإعسار . وإذا ادعى الإعسار وكذبه الغريم فإن كان الدين الذي حصل لزمه حصل له عن عوض كالبيع أو القرض فلا بد له من إقامة شاهدين عدلين على أن ذلك العوض قد هلك ، فإن لم يكن عن عوض كإتلاف وضمان وصداق فالقول قوله وعلى الغريم البينة ، لأن الأصل هو الفقر ، { وأن تصدقوا } على المعسر بما عليه من الدين يدل على ذلك ذكر المعسر وذكر رأس المال { خير لكم } لحصول الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى { إن كنتم تعلمون } أن هذا التصدق خير لكم فتعملوا به جعل من لا يعمل به وإن علمه كأنه لا يعلمه ، أو تعلمون فضل التصدق على الإنظار والقبض بعده ، أو تعلمون أن ما يأمركم به ربكم أصلح لكم . وقيل : المراد بالتصدق الإنظار لقوله عليه السلام : " لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة " وزيف بأن الإنظار ثبت وجوبه بالآية الأولى فلا بد من فائدة جديدة ولأن قوله { خير لكم } إنما يليق بالمندوب لا بالواجب .

/خ281