غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

12

وإنما لم يذكر المآب القبيح وهو النار لأنها غير مقصودة بالذات لأنه سبحانه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب ولهذا قال : " سبقت رحمتي غضبي " ثم بيّن أن ذلك المرجع كما أنه حسن في نفسه فهو أحسن وأفضل من هذه الدنيا . والمقصود أن يعلم العبد أنه كما أن الدنيا أطيب وأفسح من بطن الأم فكذلك الآخرة أفسح وأوسع من الدنيا ، أو لأنه لما عدد نعم الدنيا بين أن منافع الآخرة خير منها فقال مستفهماً على سبيل التقرير { قل أؤنبئكم بخير } أي بشيء هو خير { من ذلكم } الذي عددنا . ثم استأنف بيانه وتقريره فقال : { للذين اتقوا عند ربهم جنات } كما تقول : هل أدلكم على حبر خير من فلان ؟ عندي رجل من صفته كيت وكيت . وبيان الخيرية ظاهر من وصف الجنات والأزواج مع قيد الخلود ، فإن النعمة وإن عظمت ، فتوهم الانقطاع والزوال ينغص صفوها وينقص لذتها ، وبعد زوال هذا الوهم لن يتكامل طيبها إلا بالنساء فبهن يحصل الأنس . ثم وصف الأزواج بصفة واحدة جامعة فقال : { مطهرة } أي من الأقذار والمنفرات . وبعد ذكر تمام النعمة ذكر ما هو فوق التمام فقال : { ورضوان من الله } ويندرج فيه جميع المطالب والمقاصد لأن العبد إذا رضي عنه المولى لم يتصور منصب أجل منه وأعلى ، وكأن المولى وما يملكه للعبد ، كما أن العبد وما يملكه للمولى { ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم }[ التوبة : 72 ] ويحتمل أن يكون اللام في قوله : { للذين اتقوا } متعلقاً بخير . واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به ويرتفع { جنات } على الخبر أي هو جنات ويعضده قراءة بعضهم { جنات } بالجر على البدل من { خير } وذلك أن اللام في هذه القراءة يتعين أن يكون متعلقاً بخير . وقوله : { عند ربهم } يحتمل أن يتعلق بما يتعلق بما تعلق به قوله : { للذين } أي ثبت لهم عند ربهم . ويحتمل أن يكون صفة لخير ، ويحتمل أن يكون من تمام قوله : { اتقوا } فيكون إشارة إلى أن هذا الثواب لا يحصل إلا لمن كان متقياً عند الله تعالى فلا يدخل فيه إلا من كان مؤمناً في علم الله { والله بصير بالعباد } عالم بمصالحهم فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختار لهم من نعيم الآخرة ، وأن يزهدوا فيما زهدهم فيه من أمور الدنيا ، أو بصير بهم يثيب ويعاقب بحسب الاستحقاق ، أو بصير بالذين اتقوا ربهم وبأحوالهم فلذلك أعدّ لهم الجنات .

/خ25