غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

1

وحين بيّن أنهم لا يؤمنون ذكر أن ذلك من الله تعالى فقال { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } فيكون مثلاً لتصميمهم على الكفر كالطبع والختم . وقيل : إنه إشارة إلى إمساكهم وأنهم لا ينفقون في سبيل الله كما قال { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك }

[ الإسراء : 29 ] .

8

وقيل : نزلت في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه ، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر : أنا أقتله بهذا الحجر . فذهب فأعمى الله بصره وأنزلت الآيتان . والضمير في قوله { فهي إلى الأذقان } راجع إلى الأيدي وإن كانت غير مذكورة لكونها معلومة فإن المغلول تكون أيديه مجموعة إلى العنق ولذلك يسمى الغل جامعة أي جامعاً لليد والعنق . وتأنيث الجامعة مبالغة أو بتأويل الآلة . وقيل : واختاره في الكشاف أنه يرجع إلى الأغلال أي جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثقالاً غلاظاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكن المغلول معها من أن يطأطئ رأسه فلا يزال مقمحاً . والمقمح الذي يرفع رأسه ويغض بصره ومنه أقمحت السويق أي سففته . والكانونان يقال لهما شهراً قماح لأن الإبل ترفع رؤوسها عن الماء لبرده فيهما . وكيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية فيقول المغلول الذي بلغ الغل ذقنه وبقي مقمحاً رافع الرأس لا يبصر الطريق فضرب ذلك مثلاً للذي يهديه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم العقلي وهو لا يبصره بنظر بصيرته ، ويمكن أن يجعل كناية عن عدم التصديق بتحريك الرأس . ويقال : بعير قامح إذا رفع رأسه فلم يشرب الماء ، والإيمان كالماء الزلال الذي به الحياة .

/خ44