غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيۡهِمۡ كِتَٰبٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا} (153)

153

التفسير : هذا نوع ثان من جهالات اليهود فإنهم قالوا : إن كنت رسولاً من عند الله فأتنا بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالألواح . وقيل : اقترحوا أن ينزل عليهم كتاباً إلى فلان وكتاباً إلى فلان بأنك رسول الله . وقيل : كتاباً نعاينه حين ينزل . فإن استكبرت ما سألوه { فقد سألوا } بمعنى سأل آباؤهم ومن هؤلاء على مذهبهم { موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } وإنما كان سؤال الرؤية أكبر من سؤال تنزيل الكتاب لأن التنزيل أمر ممكن في ذاته بخلاف رؤية الله عياناً فإنها ممتنعة لذاتها عند المعتزلة ، أو ممتنعة في الدنيا عند غيرهم . وفي قوله : { من بعد ما جاءتهم البينات } وجوه : أحدها أن البينات الصاعقة لأنها تدل على قدرة الله تعالى وعلى علمه وعلى قدمه وعلى كونه مخالفاً للأجسام والأعراض ، وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوة . وثانيها أنها إنزال الصاعقة وإحياؤهم بعد إماتتهم . وثالثها أنها الآيات التسع من العصا واليد وفلق البحر وغيرها . وفحوى الكلام أن هؤلاء يطلبون منك يا محمد أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فاعلم أنهم لا يطلبونه منك إلاّ عناداً ولجاجاً فإن موسى عليه السلام قد أنزل عليه هذا الكتاب وأنزل عليه سائر المعجزات الباهرة ثم إنهم طلبوا الرؤية على سبيل العناد وأقبلوا على عبادة العجل ، وكل ذلك يدل على أنهم مجبولون على اللجاج والعناد والبعد عن طريق الحق { فعفونا عن ذلك } حيث لم نستأصل عبدة العجل { وآتينا موسى سلطاناً مبيناً } تسلطاً ظاهراً وهو أن أمرهم بقتل أنفسهم ، أو المراد قوّة أمره وكمال حاله وانكسار خصومه ففيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندونه فإنه بالآخرة يستولي عليهم ويقهرهم .

/خ169